بعد أن غُلّقت وسائل الإعلام في وجه كل من لديه القدرة على أن يعطي رأيًا لا توافق عليه السلطة،
ظهر الرجل على الشاشة الجزيرة في فبراير 2018، يبدي آرائه كمواطن معارض يعيش في دولة ديمقراطية
مثلًا، لا يبالي بما سيقوله هذا أو ذاك، فارتفع عدد منتقديه حينها؛ من يدافع عن النظام ظالمًا أو مظلومًا اتهمه بالخيانة والعمالة لأنه انتقد أسلوب الحكم في قناة غير مرحب بها حكوميًا؛ ومن يتمنى إسقاط النظام أملًا في شرعية ضائعة منذ سنوات،
اتهموه ببيع القضية لأنه رفض فكرة رحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي بغير الصندوق، كما أنهم لم ينسوا تأييده مظاهرات 30 يونيو 2013، المطالبة بتنحية الرئيس الراحل محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
قال الرجل ما قاله وعاد إلى وطنه، كالعادة تحرك محامي "حسبة" تحركًا في ظاهره قانوني، وأبلغ النائب العام ونيابة أمن الدولة العليا بأن الرجل تعمّد الإساءة للدولة ورئيسها وقضائها، واستقوى بالخارج؛ استجابت للبلاغ فورًا، وأوقفته بعد ساعات من
عودته إلى القاهرة، ومن وقتها لم يخرج من زنزانته الانفرادية إلا لجلسات التحقيق في قفص زجاجي.
إنه عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب مصر القوية الذي اعتقل في فبراير 2018، بتهمة "نشر وإذاعة أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالمصالح القومية للبلاد، الإخلال بالنظام العام، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، وتولي
قيادة جماعة أُنشئت على خلاف أحكام القانون "لم يتضح بعد اسم الجماعة، كما أن حزب مصر القوية الذي يرأسه أبو الفتوح مسجل بشكل قانوني". وبعد نحو شهر من اعتقاله أُدرج مع نجله وآخرين على قوائم الإرهاب.
حياته في خطر
«أبويا مُعرض أنه يفقد حياته في أي وقت، النهاردة أثناء انتظارنا لدخول الزيارة تعرض لأزمة قلبية. وبعد ما أخد العلاج وأصبحت حالته أفضل، دخلنا للزيارة وعرفنا منه أنه تعرض لأزمة قلبية الآن وأزمة أخرى إمبارح بالليل، أزمتين خلال أقل من ٢٤ ساعة والسبب الظروف غير الآدمية للسجن وتعمد التنكيل به»، هذا ما كتبه أحمد أبوالفتوح، نجل أبو الفتوح على
حسابه على فيسبوك.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستغيث بها نجل أبو الفتوح لإنقاذ ولده من مصير الرئيس الراحل محمد مرسي، لكنه في 18 يونيو الماضي، قال أن والده أخبره بتعرضه لذبحة صدرية كادت تنهي حياته لولا خبرته -أبو الفتوح- في التعامل مع الحالات المماثلة، وأن الأجهزة الأمنية رفضت خروجه لإجراء الكشف الطبي، كما أنه محتجز في زنزانة انفرادية داخل عنبر لا يتواجد به سجناء غيره، وغير مسموح له بالتريض. ووفقا لمحامي أبو الفتوح، فإن إدارة السجن تتعنت في إدخال الأدوية له، ما يُنذر بتوقف تنفسه في
أي وقت من الليل لحاجته الماسة إلى جهاز تنظيم للتنفس.
ويعاني أبو الفتوح من تضخم البروستاتا، وتقرر في وقت سابق إجراء عملية جراحية له قبل القبض عليه، في فبراير 2018، ومع الإهمال الطبي ازداد تضخم البروستاتا بشكل كبير، الأمر الذي أدى إلى احتقان شديد وتأثيرات سلبية على الكلى والمثانة، وصعوبة أثناء التبول، ويتطلب إجراء تدخّل جراحي عاجل لوقف تدهور حالته المرضية.
كما يعاني من مرض سكر الدم، والذي يؤدي إلى نوبات من الارتفاع أو نوبات من الهبوط المفاجئ، وأثناء احتجازه يصعب ضبط مستوى السكر المثالي لعدم توفر الغذاء الصحي داخل السجن، بالإضافة إلى حرمانه من العديد من حقوقه، مثل حق التريّض الخارجي في الهواء والشمس، وفقاً للائحة السجون.
وأصيب أبو الفتوح بانزلاق غضروفي داخل محبسه، وتم توقيع الكشف الطبي عليه بمعرفة طبيب السجن، والذي أوصى له بجلسات علاج طبيعي منتظمة، غير أنه لم يتمكن من الحصول عليها بسبب منعه من استخدام غرفة العلاج الطبيعي داخل السجن، ما أثر على قدرته على الحركة بالسلب، وقد ظهر ذلك واضحاً أثناء حضوره جلسات عدة في نيابة أمن الدولة العليا،
وهو على كرسي لا يستطيع التحرك، ويرتدي حزام ظهر لتخفيف الألم.
مطالبات حقوقية تتجاهلها الحكومة
لقضية عبد المنعم أبو الفتوح صداها لدى المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، فقد صدرت العديد من البيانات الحقوقية المطالبة بالإفراج عنه، إما إيمانًا بحرية الفكر والتعبير لكونه شخصية بارزة لا تؤيد العنف وتسعى للحلول السلمية، وإما لدواعي إنسانية لكون حياته في خطر. وقدم "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، و"مركز عدالة للحقوق والحريات" بلاغ إلى
النائب العام المستشار نبيل صادق، حمل رقم 8840 لسنة 2019 للمطالبة بالتدخل العاجل لإنقاذ أبو الفتوح من "الإهمال الطبي المتعمد" الذي يلقاه داخل محبسه بسجن المزرعة، وذكر البلاغ أن ما يتعرض له أبو الفتوح يخالف قانون تنظيم السجون ولائحته، وقواعد نيلسون مانديلا النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، بالإضافة إلى مخالفة الدستور المصري الذي ينص
في المادة 18 منه على إتاحة الرعاية الصحية للجميع على قدم المساواة. وجاء في البلاغ أن أبو الفتوح يعاني من عدة أمراض بينها "تضخم البروستاتا، واحتقان شديد وتأثيرات سلبية على الكلى والمثانة، وصعوبة أثناء التبول، ومرض سكر الدم".
وطالب بضرورة وجود مرافق معه لإسعافه داخل محبسه، كما أكد على أن حالته تحتاج إلى تدخل جراحي عاجل لوقف تدهور حالته المرضية.
وفي يونيو 2018، ناظر المحامي العام لنيابة أمن الدولة العليا، الحالة الصحية الظاهرة لأبو الفتوح بنفسه، عقب ظهور علامات الإعياء الشديد عليه أثناء جلسة نظر أمر حبسه، وأصدر قرارًا بإجراء أشعة الرنين المغناطيسي والصبغة والتحاليل الدقيقة والفحوصات المطلوبة على القلب والمعدة والرئة والعظام في مستشفى السجن، وفي حالة عدم توافر الإمكانات بها تجرى في مستشفى خارج السجن لتحديد المشاكل الصحية وعلاجها. وأوضح البلاغ أن إدارة سجن مزرعة طره قد امتنعت عن تنفيذ قرار النيابة، وأرسلت مجموعة من الأطباء التابعين لوزارة الداخلية، الذين وقّعوا كشفًا ظاهريًا عليه داخل
الزنزانة، وكتبوا تقريرا يفيد بأن حالته مستقرة، وهو ما يمثل تعمدًا للتعذيب والإهمال الطبي وعدم تقديم الرعاية الصحية، ويشكل جريمة صريحة، وفقًا لنص المادة 123 من قانون العقوبات. لكن أحدًا ممن وجهت لهم البلاغات والبيانات لم يرد
حتى الآن.
وفي 2015 طرح عبد المنعم أبو الفتوح مبادرة لحل الوضع السياسي، لكن السلطات المصرية لم ترد عليها، كما تجاهلتها وسائل الإعلام المحلية. وفي هذه المبادرة طالب بإعادة هيكلة وزارة الداخلية وفق قواعد الحفاظ على حقوق الإنسان، وحماية مصر من مخاطر الإرهاب، تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ومفتوحة خلال عام واحد، والإفراج الفوري عن الطلاب والسيدات وكبار السن وذوي المشاكل الصحية الواقعين تحت الحبس الاحتياطي. كما طالب بمراجعة جادة لكافة الأحكام الصادرة بحق المحكوم عليهم خلال الفترة الماضية، والإفراج أو إصدار عفو عام عن قيادات كافة التيارات المعارضة التي لم
يثبت بدلائل واضحة معلنة تورطها في أي جريمة.
وفي 2018 وقع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، على بيان القوى المدنية، الداعية لمقاطعة الانتخابات الرئاسية التي تم
إجراؤها في مارس 2018.