الصحافة في مصر.. لا صوت يعلو



لا صوت يعلو، ولا قلم يكتب، ولا كاميرات ترصد؛ هذا حال الصحافة المصرية الآن. في صباح الخامس والعشرين من شهر يونيو الماضي، استيقظنا على أخبار منقولة بنص واحد في أكثر الجرائد المصرية، وتنقل  بيانًا لوزارة الداخلية يفيد بما أسمته الوزارة "إحباط خطة الأمل". وفق ما أعلنت وزارة  الداخلية  أنه في إطار جهودها لإجهاض تحركات جماعة الإخوان الإرهابية الهدامة، فقد تمكن قطاع الأمن الوطني من رصد المخطط العدائي الذي أعدته قيادات جماعة الإخوان الإرهابية الهاربة من الخارج بالتنسيق مع القيادات الإثارية الموالية لها ممن يدعون أنهم من ممثلي القوى السياسية المدنية تحت مسمى «خطة الأمل»، لافتة أنها تقوم على توحيد صفوفهم وتوفير الدعم المالي من عوائد وأرباح بعض الكيانات الاقتصادية التي يديرها قيادات الجماعة والعناصر «الإثارية» لاستهداف الدولة ومؤسساتها وصولا لاسقاطها تزامنا مع الاحتفال بذكرى ثورة 30 يونيو".

وأضافت الوزارة في بيانها أن "المخطط يرتكز على إنشاء مسارات للتدفقات المالية الواردة من الخارج بطرق غير شرعية بالتعاون بين الجماعة الإرهابية والعناصر «الإثارية» الهاربة ببعض الدول المعادية للعمل على تمويل التحركات المناهضة بالبلاد للقيام بأعمال عنف وشغب ضد مؤسسات الدولة في توقيتات متزامنة مع إحداث حالة زخم ثوري لدى المواطنين وتكثيف الدعوات الإعلامية التحريضية خاصة من العناصر الإثارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية التي تبث من الخارج، وتحديد أبرز العناصر الإرهابية خارج البلاد والقائمة على تنفيذ المخطط وهم كل من القياديين الإخوانيين محمود حسين وعلي بطيخ، والإعلاميين «الإثاريين» معتز مطر، محمد ناصر والمحكوم عليه الهارب، أيمن نور". وذكرت الداخلية في بيانها أن "الحملة الأمنية أسفرت نتائجها عن تحديد واستهداف 19 شركة وكيانا اقتصاديا تديره بعض القيادات الإخوانية والعناصر الإثارية بطرق سرية.

يبدو أن صحفيًا واحدًا لم يتحقق من مسألة انتماء من ألقي القبض عليهم إلى جماعة الإخوان، وربما تعمدوا ذلك. فمن بين المقبوض عليهم زياد العليمي نائب البرلمان السابق وحسام مؤنس  صحفي بجريدة الكرامة  وأحد مؤسسيها في عام ٢٠٠٥، كما أنه كان مسؤولا عن حملة المرشح السابق حمدين صباحي، ورجل الأعمال عمر الشنيطي، وهشام فؤاد الصحفي اليساري الذي يعمل بوكالة الأنباء الروسية سبوتنيك.

وقد نشر الصحفي والإعلامي تامر أبو عرب على صفتحه بفيسبوك يقول: "لأسماء دي لو كتبت أسماءهم بس على جوجل وشفت تاريخهم هتعرف إنهم مستحيل يتحطوا في جملة واحدة حتى مع الإخوان، لكن بقى عادي جدا إنه يتقبض عليهم وتكون التهمة الموجهة ليهم بدون أي خجل إنهم إخوان" 

نقابة الصحفيين تعلن إندهاشها

أصدرت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، بيانًا تعقيبًا على إلقاء القبض على الصحفيين هشام فؤاد، وحسام مؤنس، مع آخرين بتهمة «الاشتراك في جماعة إرهابية». 
وذكر بيان لجنة الحريات بنقابة الصحفيين أنها تابعت عن كثب أخبار إلقاء القبض على الزميلين هشام فؤاد وحسام مؤنس عضوي الجمعية العمومية للنقابة، بقرار من نيابة أمن الدولة العليا ومثولهما أمامها للتحقيق معهما. 

وأكد البيان أن النقابة، ممثلة في النقيب ورئيس اللجنة، بالإضافة لعدد من أعضاء المجلس، سارعوا بتكليف أحد محاميي النقابة بالتوجه الفوري لمقر نيابة أمن الدولة العليا، لمتابعة التحقيقات مع الزميلين حتى صدور قرار بحبسهما احتياطيًا، لمدة 15 يومًا، بتهمتي «مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها وتعمد نشر أخبار كاذبة تهدد الأمن القومي».

وأعربت لجنة الحريات عن «اندهاشها لما وُجّه للزميلين من اتهامات تخالف توجهاتهما وممارساتهما المعلنة، مع احترامها لرأي وقرار النيابة».

 كما أعربت اللجنة عن «أسفها لبعض محاولات التشهير بالزميلين بإشاعة تهم لم توجهها لهم سلطة التحقيق واعتبارها حقائق، وتقديمهما للرأي العام باعتبارهم مدانين قبل بداية التحقيقات، خلافًا للقاعدة القانونية الثابتة ببراءة المتهم حتى إدانته بحكم بات».

حجب وإغلاق وحبس

أصدرت مؤسسة التحرير للطباعة والنشر، ويصدر عنها موقع وجريدة "التحرير"، بيانًا في 23 يونيو الماضي،أعلنت فيه غلق الجريدة بعد استنفاد كافة المحاولات. وهذا بعد حجب موقع الجريدة في في مايو الماضي. 

وجاء في البيان "الصحفيون والعاملون بالمؤسسة، تعلمون أنه بتاريخ 9-5-2019، فوجئنا جميعاً بحجب الموقع الإلكتروني لجريدة التحرير وتوقف الخدمة دون سابق إنذار أو تنبيه من أي جهة. وطوال الأيام التي تلت الحجب وحتى الآن، طرقت إدارة المؤسسة كل أبواب الجهات الرسمية للاستفسار عن سبب الحجب ومعرفة الجهة التي تقف وراءه. كما حاولت تخطي أزمة الحجب بطرق فنية للتخفيف من آثار حجب الموقع وإهدار عمل الزملاء بالموقع".

وتابع البيان "وقد قامت المؤسسة بمخاطبة الجهات المعنية بالصحافة والجهات المختصة بالاتصالات، فأرسلنا خطاباً إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونقابة الصحافيين والمجلس الأعلى لتنظيم الاتصالات ووزير الاتصالات، لمعرفة أسباب الحجب، وتواصلنا مع جميع المؤسسات، وقد أكدت كل الجهات أن الموقع الإلكتروني لم يرتكب أية مخالفة تستوجب الحجب، وأننا نعمل في إطار القانون والدستور وأننا نحافظ على ثوابت واستقرار الدولة المصرية".

وأصدرت نقابة الصحفيين بيانًا بشأن حجب موقع "التحرير"، لتعلن تضامنها ودعمها للموقع، وأعلن مجلس النقابة "مخاطبة رئيس المجلس الأعلى لتنظيم للإعلام بوصف المجلس هو المسئول عن المواقع الإلكترونية في البلاد بحكم القانون، لتوضيح وتفسير الحجب الذي يتعرض له الموقع طوال الفترة المشار إليها، لإعلام الزملاء العاملين به وإدارته والرأي العام المصري علنًا بحقيقة الأمر".
وأكد المجلس أنه "سيظل داعمًا لبقاء واستمرار صحيفة وموقع التحرير وللحقوق القانونية للزملاء العاملين بهما، وسيتخذ كل الخطوات الإجراءات التي تضمن استمرارهما بالتعاون مع إدارتهما وكل الجهات المعنية، وتحول دون اللجوء لإغلاقه وتشريد الزملاء العاملين فيه".
وأضاف أن "الإغلاق وتشريد الصحفيين خط أحمر لن تسمح به النقابة، مع التزامها الثابت بالقيام بدور إيجابي يساعد في حل أزمات الصحف والمواقع لتمارس عملها دون عوائق أو قيود".

ويبدو أن النقابة لم يصلها ردًا رسميًا بشأن حجب موقع جريدة التحرير حتى الآن؛ كما أن حجب المواقع لم يكن أمرًا جديدًا، فبداية الحجب في مصر بدأت في ديسمبر 2015، بحجب موقع "العربي الجديد"  ثم انضم إليه أكثر من 500 موقع ومدونة بحسب تقرير لمنظمة حرية الفكر والتعبير.

من ضمن المواقع التي حجبت ثم أغلقت، موقع مصر العربية الذي كان يضم نحو 100 صحفيًا، تعرض الموقع الذي كان يعمل بشكل قانوني لأنواع من القمع المختلفة، من الحجب إلى الإغلاق إلى الاعتقال. وألقت قوات الأمن المصرية القبض على رئيس تحرير الموقع، الصحفي الوفدي عادل صبري، وأغلقت مقر الموقع بزعم إدارته بدون ترخيص وذلك في إبريل 2018. 
وذكرت وزارة الداخلية المصرية أن الإدارة العامة لمباحث المصنفات الفنية وحماية حقوق الملكية الفكرية ألقت القبض على عادل صبري، رئيس تحرير موقع "مصر العربية" الإلكتروني، لإدارة الموقع بدون ترخيص بالمخالفة للقانون.

واتهمت إدارة الموقع السلطات باستهداف الموقع، وأن مداهمة مقره والقبض على رئيس تحريره يأتي في سياق حملة ضد الموقع لنشره تقريرا مترجما عن صحيفة "نيويورك تايمز"، تحدث عن وقوع مخالفات خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلاد أواخر الشهر الماضي.
يقول أحمد عبد الجواد، مدير تحرير موقع مصر العربية، إن المداهمة الأخيرة تعتبر الرابعة التي تقوم بها الشرطة المصرية لتفقد تراخيص إدارة المكان، "فإدارة الموقع لديها كل التصاريح والتراخيص المطلوبة لمزاولة النشاط"، مشيرا إلى أن "مصر العربية" هي شركة مساهمة مصرية مسجلة لدى السلطات، وتعمل وفق القانون بسجل تجاري معتمد وبطاقة ضريبية.
وبالفعل لم يكن حبس صبري لأسباب إدارية كما ادعت وزارة الداخلية، فقد حبسته النيابة بتهمة بعدها بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، ورغم أن الدائرة 22 جنايات الجيزة، قررت إخلاء سبيله بكفالة 10 آلاف جنيه، وبينما كان ينتظر الجميع تنفيذ قرار المحكمة بعد سداده كفالة قيمتها 10 آلاف جنيهًا،  جاء قرارا مفاجئا لنيابة أمن الدولة العليا بفتح التحقيق مع صبرى، على ذمة القضية 441، بالاتهامات ذاتها.
وجاء القبض على صبري بعد قرار أصدره المجلس الأعلى للإعلام ، بتغريم موقع "مصر العربية" 50 ألف جنيه بعد نشره تقرير مترجم نقلا عن صحيفة نيويورك تايمز، بعنوان "المصريون يزحفون إلى الانتخابات الرئاسية مقابل ٣ دولار".

لائحة للقضاء على ما تبقى من الصحافة

بعد ثلاثة أيام من انتخابات نقابة الصحفيين الماضية، وتحديدًا في 18 مارس 2019، أصدر المجلس اﻷعلى لتنظيم اﻹعلام لائحة الجزاءات التي تضم في بعض موادها توقيع غرامات مالية تصل إلى ربع مليون جنيه، وحجب المواقع بشكل مؤقت أو دائم.
كما أن اللائحة تعاقب وسائل الإعلام التي تستضيف شخصيات غير مؤهلة أو تقديم شخصيات للجمهور على خلاف الحقيقة. والمدهش أنها لم توضح كيف يمكن لوسيلة الإعلام أن تختار شخصًا مؤهلًا يتحدث أمام الرأي العام.
اعترضت نقابة الصحفيين على اللائحة المكبلة، لكن مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس اﻷعلى، قال أن اللائحة قانونية ولا تتعارض مع القانون والدستور. 
يذكر أن  لجنة حماية الصحفيين صنفت  مصر كواحدة من أكبر أربعة دولة تسجن الصحفيين في العالم، وذلك بحبس 25 صحفيًا، كما أن مصر في  مؤشر حرية الصحافة التي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود، احتلت مصر المرتبة 163 في العام 2018، متفوقة فقط على 17 دولة أخرى من بينها الصومال وكوريا الشمالية.


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة