AFP |
مصر العربية
الدم ليس دليلًا، الموت ليس دليلًا، الشوارع ليست دليلًا، الشعب ليس دليلًا، الأدلة لم تكتمل قانونًا !
في خلال 18 يومًا اُستشهد نحو 841، سقطوا بداية من 25 يناير 2011، حتى 11 فبراير من نفس العام! بحسب تقديرات حقوقية، وبحسب مشاهد دموية، وبحسب كل قنبلة غاز وكل رصاصة أُطلقت صوب متظاهر سلمي، القاتل هو مبارك ورجاله، ولكن الأدلة لم تكتمل لدى القضاء، تم تبرئة مبارك ووزير داخليته، وضباط الشرطة! وتمت إدانة الغاضبين في الشوارع!
البراءة لمن قَتل ومن سرق ومن خرّب وسعى في الأرض فسادًا.. والسجن لمن قُتل، ومن سُرق، ومن حاول التعمير!
ليس هذا فحسب، إن كنت من الغاضبين على براءة مبارك، ستُقتل، أو تُسجن في أفضل الأحوال. فكيف تجرؤ على الغضب؟ لا يحق لك؛ من أنت حتى تغضب؟ هل يتساوى الحاكم والمحكوم؟ القاتل والمقتول؟ السارق والمسروق؟ أنت لا تملك إلا هتافك فكيف تقاوم صاحب البندقية؟ لا يُغطي وجهك سوى منديل ورقي تستغيث به من خنقة الغاز؛ فكيف تقاوم من غطّى وجه بقناع أسود ورفع بندقية الغاز المسيل للدموع نحوك، وحاوط حلمك بالرصاص المطاطي والخرطوش؟!
الغاضبون من الحكم ببراءة مبارك تجمعوا، في أواخر نوفمبر 2014 (وكان كاتب الكلمات حينها في ليمان سجن أبي زعبل 2 يظن أن القيامة ستقوم بعد براءة مبارك) ولما تجمعوا منهم من قُتل وهم اثنان، ومنهم من اُعتقل وعددهم اثنا عشر، اُعتقلوا بتهمة استعراض القوة، وكأنهم كانوا يقودون كتيبة مسلحة لاقتحام ميدان التحرير. مع أن الرفاق لم يستعرضوا سوى قوة حناجرهم؛ وقوة إصرارهم على أن مبارك "قاتل" وحزبه غير الوطني وغير الديمقراطي "فاسد" ونظامه بأكمله مجموعة من اللصوص!
على كل حال، لا يوجد دليل. فليعودوا جميعًا إلى مقاعدهم، ويقبع من ثاروا في السجون التي بنيت بعد ثورة يناير؛ وعددها تسعة عشر سجنًا.
لا دليل واحد يدين دومة، لا دماء ولا قتل، ولا أحراز، ولا فساد، لا دليل سوى حبه للثورة، ولا اتهامات سوى أنه أحد رموزها.
***
«في السجن: يصغر عالمك ويتضاءل حتى يمكن قياسه بالشبر.. وحده براح ذاتك يستوعبك».
أحمد دومة
الدليل لا يهم أحيانًا، قد يكون انتماؤك للثورة هو الدليل ضدك، قد يقودك إلى الإعدام، إلى التصفية الجسدية، إلى الاختفاء القسري، إلى التعذيب في مقرات الأمن غير الوطني، إلى الحكم بالسجن مدى الحياة.
هل تؤمن بالثورة، وحاربت بحنجرتك أسلحة العساكر، واعتصمت في الميدان في أوج الشتاء تغني أغاني الشيخ إمام وتلقي أشعار الأبنودي ونجم؟ مرحبًا بك لقد اشتركت في باقة السجن مدى الحياة بنجاح؛ وحصلت زوجتك على رصيد من زيارات السجن الأسبوعية؛ وعلى قبلات صغيرة أمام أعين العساكر المراقبين لك، وعلى همسات منك كي لا يستمع المخبرين لأحاديثكم العادية.. ولكن عليك أن تحذر، لا تقل لها "أحبك" فالمخبرون لو سمعوها قد يظنون أنها كلمة مشفرة، هم لا يعرفون الحب ولا يفهمون سوى لغة الأموال؛ سيضعون كلمة "أحبك" في الأدلة على إدانتك في قضية جديدة ليماطلون في حبسك مرة أخرى، وسيدرس الأمن الوطني الكلمة مائة عام، وينظر فيها القضاء مائة عام؛ مائة عام من الحبس الاحتياطي، من الحبس الانفرادي، من الجلوس على كرسي متحرك، من العساكر التي تحاوطك في كل مكان، من الاشتياق إلى زوجتك ورفاقك، من النظر إلى سقف زنزانتك، من البُرش والتعيين والجراية، ومنع الكتب والأدوية، ومصادرة الراديو الصغير، مائة عام من الهراء والعبث، وانتظار شيء لا تعلمه!
هكذا يبدو شعور "نورهان حفظي" زوجة السجين السياسي "أحمد دومة"، تبدو لي دائمًا في كل حديث عن زوجها أنه معتقل منذ أكثر من مائة عام، ولم لا وقد دخل السجن أكثر من 18 مرة في عهدي مبارك والمجلس العسكري؟! مائة عام لرجل عمره 32 عامًا؛ أفلا يجبرك هذا أن تتضامن معه أيًا كان انتماؤك؟!
***
والآن يحاكم دومة كغيره من آلاف الشباب، ويبدو أنه لا يعاقب إلا بتهمة الانتماء للثورة، فالقضية التي سجن من أجلها كانت مظاهرة رافضة للمحاكمات العسكرية للمدنيين أمام مجلس الشورى في 3 ديسمبر 2013، واتهم بالتظاهر بدون تصريح أمام محكمة عابدين وحكم عليه بـ 3 سنوات سجن ومثلهم مراقبة و50 ألف جنيه غرامة، وكان من المفترض أن يكون دومة خارج السجن الآن بعد قضائه أكثر من 3 سنوات في السجن، لكن انتماءه للثورة جعل أعداء الثورة يتآمرون ضده، ودومة في سجنه لم يكفر بالثورة، ولم يخشَ عدو الثورة "المستشار ناجي شحاتة" الذي أعلنها في الجرائد صريحة أنه يكره دومة، ويكره "6 إبليس"، ويكره "25 خساير"، والذي لا يجب أن ينظر في قضية دومة قانونا ودستورًا وشرعًا وبالمنطق والعقل، فكيف يمكن للخصم أن يصير حكمًا؟!
كلمات دومة أمام خصم الثورة ناجي شحاتة لا يجب أن تنسى، ولا يجب أن يمحوها التاريخ، ولا يجب ألا يذكرها أبناؤنا لاحقًا.
***
أنا لا أثق بعدالة المحكمة لسببين، الأول: أنك صرحت أكثر من مرة على هذه المنصة بعدائك للثورة والمنتمين لها وأنا منهم. والثاني: سأسلك فيه أولًا لأنني لست متأكدًا.
= اتفضل اسأل.
- هل لديك حساب على فيس بوك؟
= وما دخلك؟
-لأنه نسب لك حساب على فيس بوك به آراء صريحة معادية للثورة والمنتمين لها وصفتنا فيها بالعملاء والخونة، ووصفت الثورة بالنكسة، ولو ثبت انتسابه لك فهذا يؤكد الخصومة الواضحة بيني وبين هيئة المحكمة.
= الفيس بوك ده بتاعك أنت وأمثالك.
- إنه ليس شيئًا سيئًا ولا عيب، بالعكس، لقد ساعدنا في إسقاط مبارك ومرسي!
وهنا حكمت المحكمة عليه بالسجن 3 سنوات بتهمة إهانة المحكمة!
العداء واضحًا، والخصومة مفضوحة، والمستشار الجليل (ولا أدري من ألزمنا بأن نصف أي مستشار بجليل؟) لا يخفي خصومته لدومة ورفاقه من دعاة التغيير، لذا انتقم منه وأعطاه حكمًا بالسجن المؤبد 25 عامًا، بتهمة حرق مجلس الشعب، وهي تهمة قد تم تبرئته منها في 2011.
لا دليل واحد يدين دومة، لا دماء ولا قتل، ولا أحراز، ولا فساد، لا دليل سوى حبه للثورة، ولا اتهامات سوى أنه أحد رموزها.
وفي 27 أبريل الجاري نحن على موعد مع النقض في قضية دومة، ولا نتمنى سوى 5 دقائق من العدل، ينطق فيها القاضي بالحق.
حتى الفيديو الوحيد الذي سُجن بسببه والذي اُقتطع من حلقة مدتها ساعتين مع الإعلامي وائل الإبراشي الذي قال في المحكمة عن أن تصريح دومة "أنا حدفت مولوتوف على مجلس الشعب" كان انفعالًا لفظيًا الغرض منه توضيح وجهة نظره، وأن موضوع الحلقة كان حول "هل يحق للثوار استخدام المولوتوف في مواجهة أسلحة الأمن؟".
بالمناسبة، الاتهامات التي اُتهم بها دومة يجب ألا تتخطى عقوبتها 15 عامًا فقط، وهي العقوبة القصوى في مثل اتهاماته التي لم يفعلها، ولكن المستشار ناجي شحاتة في ظني أنه لم يقرأ أوراق، ولم يطلع على أي شيء سوى أن من في القفص هو دومة الذي يكرهه، فقرر أن يخترع عقوبة على هواه وأن يقضي عليه بالحبس 25 عامًا !
كما أن جلسات المحاكمة قد شهدت أفعالًا انتقامية من ناجي شحاتة ضد دومة منها ما ذكرته زوجته نورهان حفظي أن "ناجي شحاتة قال على المنصة ثورة يناير نكسة ومرتكبيها خونة وعملاء، ورفض حضور باقي المتهمين مع دومة، وقال نصًا "مش عاوز غير دومة"، ورفض سماع شهود النفي، ورفض طلب المحامين بالحصول على نسخة من ملف القضية كاملًا، ورفض ضم نتيجة تحقيق لجنة تقصي الحقائق التي حققت في أحداث مجلس الوزراء، وأحال 5 محامين من هيئة الدفاع للنيابة بتهم مختلفة من بينهم خالد علي وراجية عمران، وبناء عليه اتخذت نقابة المحامين قرارًا بمقاطعة جلساته وحظر الترافع أمامه وإحالة أي محام يخالف القرار لمجلس التأديب، كما أصدر قرارًا غير قانوني بمنع "دومة" من دخول مستشفى خارج السجن إلا بعد الرجوع إليه (قانونًا المسجون بعهدة وزارة الداخلية) حتى أن مأمور السجن لمّا شعر أن حياته في خطر بعد إضرابه عن الطعام قرر نقله على مسئوليته، فهدّد ناجي شحاتة مأمور السجن بالحبس، مما أدى إلى عودة سيارة الإسعاف إلى السجن مرة أخرى قبل وصولها للمستشفى".
وفي 27 أبريل الجاري نحن على موعد مع النقض في قضية دومة، ولا نتمنى سوى 5 دقائق من العدل، ينطق فيها القاضي بالحق.
#حرية_دومة_حقه