الإرهاب مستمر: دليلك لفهم العقلية الأمنية في مصر

الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» يرأس اجتماع مجلس الدفاع الوطني، بحضور السيد رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، ووزراء الدفاع والإنتاج الحربي، والخارجية، والداخلية، والمالية، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة، وعدد من رؤساء أفرع وقيادات القوات المسلحة. ( مصدر الصورة : صفحة المتحدث باسم الراسة المصرية/فيسبوك )
إضاءات

«الجيش والشرطة يحتاجان إلى تفويض لمواجهة أي عنف أو إرهاب خلال الفترة المقبلة، وأدعو المصريين إلى النزول في الشوارع لتفويضي في مواجهة الإرهاب» هكذا قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطابه بالكلية الحربية، يوليو 2013، وأكد حينها أنه لن ينتظر حدوث مشكلة كبيرة، كما أعلن أن مصر مستعدة لانتخابات برلمانية ورئاسية تشرف عليها الكرة الأرضية بأكملها!
بعيدًا عن أهمية التفويض واستخدامه فيما بعد في قمع المعارضين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، يبدو أن المشكلة الكبيرة التي أكد السيسي أنه لن ينتظر حدوثها قد حدثت بالفعل! وأن آمال من احتشدوا في الميادين لمحاربة الإرهاب سيعانون من الإرهاب فترة غير معلومة، لطالما أن العقلية الأمنية ذاتها لم تتبدل بعد.
وبعد هذا التفويض مباشرة قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن حوالي 42 كنيسة وممتلكات مسيحية تعرضت للنهب والسلب في أنحاء البلاد، وإن أربعة أشخاص بينهم مسلمون قتلوا وأصيب عشرات؛ وحملت المنظمة تيارات إسلامية متطرفة مسؤولية ما حدث. مما يعني أن التفويض لم يكن له داع، وأن من أراد محاربة الإرهاب عليه بفتح المجال العام، لا إغلاقه! فهل يحتاج السيسي إلى تفويض جديد؟

توعدت داعش وتجاهلت الدولة

اعلموا أن جنود الدولة الإسلامية تقف لكم بالمرصاد وأن غزوتنا لن تكون آخر الغزوات بل القادم أدهى وأمر وأحد من السيف وأحر.. فارتقبوا إنا مرتقبون
هكذا توعدت جماعة «داعش» الإرهابية في فيديو بثته عبر شبكة الإنترنت لتعلن تبنيها الهجوم الانتحاري على الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية بمنطقة العباسية في وسط القاهرة والذي أسفر عن مقتل 29 شخصا وإصابة 49 آخرين في ديسمبر 2016. وبعد أيام قليلة من بث الفيديو، وقعت حادثة مقتل سبعة أقباط على يد مسلحين بمحافظة شمال سيناء، مما أدى لنزوح نحو 70 أسرة مسيحية من العريش.
حذرت داعش السلطات المصرية، ولكن يبدو أن السلطات لم تتلق التحذير على محمل الجد ولم تستعد له جيدًا، بل إنه بين السلطات من ينكر نجاح داعش في التسلل لسيناء! ففي فبراير 2017  استوقف مسلحون ينتمون إلى ولاية سيناء التابعة لـ«داعش» حافلة معلمات في رفح بعد مرورها على عدة كمائن للقوات المسلحة.
واستوقف المسلحون الحافلة مرات عديدة ليصوروا المعلمات وهن يلتقين الأوامر بعدم الذهاب إلى العمل دون محرم  وارتداء النقاب؛ ولما ذهبت بعض المعلمات للقاء وكيل وزارة التربية والتعليم في شمال سيناء، قال لهن «إن مدير إدارة رفح التعليمية أنكر الحادث» حسب رواية مدى مصر فعقلية ما زالت لا تصدق أن داعش متواجدة في سيناء بعد كل هذه الدماء التي تسيل، لا بد أنها لا تؤمن بتهديدها على العاصمة وأخواتها!

التسلل إلى العاصمة

كما استطاع عناصر التنظيم التسلل إلى العاصمة وتفجير الكاتدرائية، كان من السهل عليها التسلل إلى الإسكندرية وطنطا، فقد قُتل أمس الأحد 9 أبريل، 44 شخصًا على الأقل وأُصيب عشرات في انفجارين استهدفا كنيستين قبطيتين؛ وقع الانفجار الأول في كنيسة مار جرجس  (بنيت عام 1939 وهي أقدم وأكبر كنائس طنطا) الواقعة في وسط مدينة طنطا، عاصمة محافظة الغربية بدلتا مصر مما أسفر عن مقتل 27 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 70 آخرين.
وبعد ساعات قليلة وقع انفجار آخر بمحيط الكاتدرائية المرقسية بمدينة الإسكندرية أدى إلى مقتل 17 شخصا، بينهم ضباط وإصابة أكثر من 41 آخرين. وهي كنيسة  أسسها مرقس الرسول عام 62 ميلاديا كبداية للكنيسة القبطية في مصر، وتمت توسعتها في عام 321 ميلاديا ثم أعيد بناؤها في عام 828 بعد حادث سرقة جسد مرقس الرسول مؤسسها ثم أعيد بناؤها مرة أخرى في عام 1527. في عام 1870، أعيد بناؤها على الطراز البيزنطي.
وفي  1952 افتتحها البابا يوساب الثاني بافتتاح الكاتدرائية الجديدة وصلى أول قداس بها؛ وتحتفظ الكنيسة المرقسية، التي تم توسعتها من الجهة الغربية في 1990 إبان عهد البابا شنودة الثالث، بأيقونات أثرية من الذهب والفضة لمارمرقس ومار جرجس والسيد المسيح والسيدة مريم العذراء، والكرسي البابوي وست أعمدة رخامية.
وأعلن تنظيم «داعش» الإرهابي مسؤوليته عن التفجيرين حسبما ذكرت، وكالة أعماق التابعة للتنظيم، ليعلن للأجهزة الأمنية في مصر أنه لم يكن مجرد تهديد ووعيد في الهواء!

تقصير أمني: تأجيل التفجير 10 أيام

ظلت طنطا عاصمة محافظة الغربية بعيدة عن أعمال العنف التي بدأت بعد 3 يوليو 2013، إلا أنه في 27 مارس فككتالأجهزة الأمنية بمحافظة الغربية، قنبلة داخل مبنى كنيسة مار جرجس، مما يعني أن الإرهابي قد فشل في تفجير الكنيسة وقرر تأجيل التفجير نحو 10 أيام!
ويبدو أن قوات الأمن لم تبال بما حدث، ولم تستعد لاحتمالية تسلل عناصر إرهابية في المدينة لذا سنجد ضمن الأخبار التي لم تذكر إلا قليلًا أنه في 2 أبريل الجاري، قتل شرطي وأصيب 12 آخرون في انفجار أمام مركز تدريب لقوات الشرطة في طنطا، وبعدها بثمانية أيام، حدث الحادث الإرهابي الأكبر «تفجير الكنيسة» أي أن التطور في التسلل الإرهابي إلى المدينة كان ملحوظًا وتدريجيًا.

كيف يحارب السيسي الإرهاب؟

خطابات الرئيس المصري بعد كل حادثة إرهابية يبدو أنها متشابهة إلى حد كبير:
نحارب الأشرار، يحاربون الإنجازات، تورط دولتي قطر وتركيا ولا يقولها بشكل مباشر، على المصريين أن يتحملوا، المصريون تحملوا كثيرًا، لن نأكل أو نشرب، تجديد الخطاب الديني، اصمتوا؛ كما أنه لا يفوت الفرصة أبدًا لتوصيل رسالته للصحافة والإعلام بأن لهما دور كبير في مواجهة الإرهاب، وطبعًا تجديد الخطاب الديني،ونجاح الأمن في محاربة الإرهاب في سيناء
إلا أنه في خطابه الأخير أضاف أمرين جديدين؛ أمر بتشكيل مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب، والآخر بإعلان تطبيق حالة الطوارئ لمدة 3 شهور بعد استكمال الإجراءات القانونية اللازمة.

ما هو مجلس الدفاع الوطني لمكافحة الإرهاب الذي دعا السيسي إلى انعقاده؟

يضم المجلس في عضويته إضافة إلى السيسي الذي يرأسه، كل من رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزراء الداخلية والخارجية والمالية ورئيس المخابرات العامة ورئيس أركان الجيش وقادة الأفرع الرئيسية فيه مثل قادة القوات البرية والجوية والبحرية والمخابرات الحربية. وتكون مداولات المجلس سرية وتصدر قراراته بأغلبية الحاضرين وعند التساوي يرجح الجانب الذي يؤيده الرئيس.
وأعمال المجلس:
– النظر في وسائل تأمين الحماية للبلاد.
– مناقشة ميزانية الجيش.
– يُأخذ برأيه في مشاريع القوانين الخاصة بالقوات المسلحة.
ويحدد رئيس الجمهورية في الدعوة مكان الانعقاد ولا يكون انعقاد المجلس صحيحا إلا بحضور 12 على الأقل من أعضائه، وفي حال قيام الحرب أو إعلان التعبئة العامة يعتبر المجلس منعقدا بصفة مستمرة. وتشكل المجلس بعد قانون أصدره بهذا الخصوص الرئيس المصري السابق عدلي منصور في فبراير 2014.
وانعقد مجلس الدفاع بشكل طارئ مرات عدة آخرها في فبراير 2015 بعد ذبح تنظيم داعش الإرهابي 21 قبطيا في ليبيا.
ويبدو من تزايد وتيرة الأعمال الإرهابية أن المجلس ليس مؤثرًا لهذا الدرجة التي حاول الرئيس إيصالها للشعب، وليس مخيفًا للجماعات المتطرفة التي لم تهتم لوجوده وانعقاده سابقًا!

لماذا عليك أن تحذر من تطبيق حالة الطوارئ؟

هناك العديد من الدول الأوروبية لجأت لتطبيق حالة الطوارئ بعد أحداث إرهابية دامية، لكننا يجب أن ننتبه إلا أنه في الدول الأروبية التي طبقة حالة الطوارئ مؤخرًا، يُطبق القانون كما كتب لا حسب أهواء رجال الأمن، فالإجراءات التي تحدث عنها السيسي في خطابه وحالة الطوارئ ستؤدي بالتأكيد إلى تجاوزات من أفراد الأمن، لا سيما أن التجاوزات مستمرة من دون وجود حالة طوارئ!
يشترط في تطبيق حالة الطوارئ حسب دستور 2014 في المادة 154 أن يأخذ الرئيس برأي مجلس الوزارء، وقد حدث.
كما يشترط عرض هذا الإعلان على مجلس النواب، وتطبق حالة الطوارئ إذا وافق أغلب أعضاء المجلس، كما لا يجوز حل المجلس أثناء تطبيق حالة الطوارئ.
ويبدو أن البرلمان قد وافق قبل انعقاده، فانتشرت تصريحات النواب في وسائل الإعلام تفيد بأن حالة الطوارئ كانت يجب أن تطبق من فترة، و قال علاء عابد رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إن مد حالة الطوارئ فى هذا التوقيت مهم للغاية، وأوضح أن مجلس النواب سيوافق على مد حالة الطوارئ لحماية المنشآت العامة ودور العبادة من أيدى الإرهاب.
أما أسامة هيكل رئيس لجنة الثقافة والإعلام والآثار بالبرلمان، إن إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى حالة الطوارئ بالبلاد لمدة 3 أشهر إجراء مهم فى الظروف التي تمر بها البلاد، متابعًا: «قعدنا في حالة الطوارئ من عام 1981 حتى عام 2011».

في ظل الدستور الجديد: ماذا تنتظر من الطوارئ؟

– مراقبة الصحف والمواقع الإلكترونية والنشرات الإخبارية والرسوم والمقالات.
– كما يحق للدولة إغلاق دار النشر أو مصادرة الصحف. ولم تنتظر قوات الأمن تطبيق حالة الطوارئ فقد صادرت عدد جريدة «البوابة نيوز» المعروفة بتأييدها للحكومة، وكان من المفترض أن تنشر اليوم 10 أبريل وبها عدد خاص لتغطية الأحداث الإرهابية التي وقعت في كنيستي طنطا والإسكندرية.
– إخلاء بعض المناطق أو العقارات أو عزلها.
-عودة العمل بمحاكم أمن الدولة العليا طوارئ.
– يحق للرئيس تخصيص دوائر للطوارئ في كافة المحاكم الابتدائية والاستئنافية، كما يحق له ضم ضباط الجيش إلى تلك المحاكم، كما يحق له التدخل في أحكام محاكم الطوارئ، بإلغاء حكم أو تخفيفه، أو إعادته، أو وقف تنفيذه. ولا تصبح الأحكام نهائية إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية عليها.
– ولا يجوز الطعن على الأحكام الصادرة من محكمة أمن الدولة طوارئ.

التعامل الأمني بعد حادثتي طنطا والإسكندرية

التفجيرات مستمرة والوزير أيضًا

رفعت وزارة الداخلية المصرية درجات الاستعداد والتأهب الأمني في مختلف أنحاء البلاد بعد تفجير الكنيستين، كما أعلنت السلطات المصرية، حالة الاستنفار الأمني في مطار القاهرة الدولي، بعد التفجيرين، ولكنها ترفع حالة التأهب وتستنفر بعد كل حادثة إرهابية دون جدوى!
فالحل لدى الأجهزة الأمنية لم يتغير منذ عشرات السنين، ومعروف لدى وزارة الداخلية أنه بعد كل كارثة في منطقة ما تغيير مدير الأمن أو ضابط المباحث المسئول المنطقة ونقلهم في أماكن أخرى، وهذا ما حدث،  فقد أمر وزير الداخلية بعزل مدير أمن الغربية، حسام الدين خليفة، عن منصبه ونقله إلى ديوان عام وزارة الداخلية بعد التفجير الدامي الذي استهدف كنيسة مار جرجس.
كما قرر الرئيس السيسي الدفع بقوات خاصة من الجيش لتأمين المنشآت الحيوية في أنحاء مصر من أجل «معاونة» الشرطة. ومنعت قوات الأمن دخول المواطنين وأهالي الضحايا إلى كنيسة مار جرجس بعد التفجير باستثناء أقارب الدرجة الأولى ومن تم إرسال دعوات لهم، إلى جانب منع معظم الصحفيين والمصورين من الدخول لحضور الجنازة.
وتمت مصادرة عدد جريدة «البوابة» فقال الموقع الخاص بالجريدة، إنه تمت مصادرة عدد الصحيفة الورقي، وفرم ما طبع من نسخ في المطبعة. وتشمل الصفحة الأولى من العدد، صورة كبيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي وأسفلها عبارة «متى تشفي غليلنا». والناحية الأخرى صورة للواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية وأسفلها «حاسبوه قبل أن تحاسبوا».
ويبدو أن أي مطالبات بمحاسبة وزير الداخلية ستقابل بالمعاملة الأمنية أو المصادرة.
فوزير الداخلية مجدي عبد الغفار لديه من سجل التفجيرات عدد لا بأس به في فترة قياسية، فبعد أن تولى حقبته في مارس 2015، بدأت تفجيرات الإسكندرية في «منطقة السيوف» محيط قسم شرطة باب شرقي كما في القليوبية على قضبان السكك الحديدية، ووقعت تفجيرات اغتيال النائب العام في 29 يونيو 2015، وبعدها بيوم حدثت محاولة لتفجير قسم ثاني أكتوبر بانفجار سيارتين بالقرب من القسم، مما تسبب في مقتل 3 أشخاص.
وبعدها بأيام وقع انفجار القنصلية الإيطالية في يوليو 2015، ثم انفجار السيارة المفخخة في مبنى الأمن الوطني بمنطقة شبرا الخيمة بالقليوبية، والذي أوقع  29 مصابًا، بحسب بيان وزارة الصحة. والطائرة الروسية في أكتوبر 2015 وأسفر عن مقتل 224 شخصًا، ومحاولة اغتيال النائب العام الجديد في نهاية سبتمبر الماضي، المستشار زكريا عبد العزيز، حيث تفجرت سيارة مفخخة في محاولة لاغتياله.
وفي 9 ديسمبر حدثت تفجيرات مسجد السلام بشارع الهرم وأسفر عن استشهاد 6 شرطيين وإصابة 3 مجندين. وبعدها بيومين وقع انفجار الكاتدرائية في ديسمبر 2016،الذي أسفر عن مقتل 26 شخصًا؛ وصولًا إلى تفجيري كنيستي طنطا والإسكندرية  أمس 9 أبريل 2017.

كيف تعاملت وزارة التضامن الاجتماعي مع أسر الضحايا؟

أكد جمال نصار وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بمحافظة الغربية، أنه سيتم صرف تعويضات لأسر ضحايا انفجار كنيسة مارجرجس بطنطا بمبلغ 10 آلاف جنيه لأسرة كل متوفى و5 آلاف جنيه لكل مصاب.
وهذا ما أكدت عليه جريدة اليوم السابع.
ثم بدلت الجريدة محتوى الخبر من الداخل بعد استفزاز أهالي الضحايا وجعلته «صرف مساعدات مبدئية لأسر الشهداء والمصابين بحادث كنيسة مار جرجس»، كما محت مبلغ الـ10 آلاف أو الـ5 آلاف من محتوى الخبر.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة