أحسن من شرطة أسبانيا !

AFP/GETTY IMAGES
طفحت على سطح وسائل التواصل الاجتماعي وبالوعات الصرف الصحفي، مجموعة من مؤيدي القمع في كل مكان والعنف في أي زمان، ليرددوا كالببغاوات: "انظروا إلى الشرطة الإسبانية وهي تقمع المظاهرات حتى تعلموا أن القمع موجود في كل مكان وأن شرطتنا أحسن من شرطة أسبانيا". في محاولة منهم لتبرير جرائم الشرطة المصرية في حق الشعب. ويحدث هذا الطفح مع كل حدث فيه مظاهرات في أي مكان في العالم، وبعيدًا عن أن هؤلاء لم يذكروا من أسبانيا سوى قمع استفتاء غير مشروع وتجاهلوا مثلًا اقتصاد أسبانيا  الثاني عشر على مستوى العالم والسادس على مستوى أوروبا، والقطاع السياحي الإسباني وهو ثاني أكبر قطاع سياحي في العالم، وقطاع المواصلات في أسبانيا ومنه على سبيل المثال لا الحصر أن إسبانيا تمتلك نحو 1.272 كم من السكك الحديدية عالية السرعة وأن خطتها لعام 2020 أن يكون في إسبانيا 7.000 كيلومتر (4.300 ميل) من القطارات فائقة السرعة تربط بين ما يقرب من جميع مدن المقاطعات ومدريد في أقل من 3 ساعات وبرشلونة في غضون 4 ساعات..  ولأن بعضهم يحاول أن يصنع تشابهًا بين الشرطة المصرية والإسبانية،علينا أن نذكر عدة نقاط:

- أتدري لو حدثت مظاهرة مكونة من 5 أشخاص في مصر اعتراضًا على ارتفاع الأسعار مثلًا، ماذا سيحدث لهم؟ الإجابة أنه لا مجال للتظاهر، ولا مجال للتعبير عن الرأي، لا مجال سوى لدخول السجن في أحسن الأحوال، أو الموت في أسوأها. ولكن ما يحدث في أسبانيا ليس مظاهرة حاشدة معارضة ولو كانت كذلك ما مستها الشرطة، وأعتقد أنه لو طالب متظاهرين بإسقاط النظام نفسه في أسبانيا ما مسهم أحد، إن ما يحدث هو محاولة بفصل إقليم بأكمله عن أسبانيا - كتالونيا - عن طريق إستفتاء (غير مشروع) ولم ينص عليه الدستور أو القانون، ورغم كل القمع الذي نشاهده من الشرطة الإسبانية، إلا إننا لم نسمع عن حالة وفاة واحدة، أو طلقة رصاص حي! ونحن هنا نتحدث عن محاولات انفصال إقليم عن دولة، وليست مظاهرة. هل تذكر ما جرى لشيماء الصباغ عندما خرجت في تظاهرة بها 10 أشخاص تقريبا لإحياء ذكرى ثورة يناير؟! تتذكره جيدًا أليس كذلك؟!

- كل المشاهد والصور التي نُشرت لتفضح قمع الشرطة الإسبانية في إقليم كتالونيا، التقطها عشرات الصحفيين  ونشرتها منصات صحفية مختلفة؛ والواقع أن هذه المنصات الصحفية ما زالت تعمل حتى الآن ولم نسمع أن الشرطة اقتحمت مقر جريدة نشرت صورًا مسيئة للشرطة، أو حجبت موقعًا، أو صادرت عددًا.. ولو أنك دققت جيدًا في صور الاشتباكات، ستجد أن المصورين الصحفيين يتمتعون بحرية فائقة ولا يتعرض لهم رجال الشرطة أبدًا،  فالكاميرا هناك بمثابة حماية قانونية لحاملها، وهنا تعرضنا للسجن المؤبد، وخير دليل على هذا ما يتعرض له الصحفي محمود أبو زيد شوكان الذي مكث  في السجن أكثر من 4 سنين على ذمة الحبس الاحتياطي بسبب عمله الصحفي، ولعلك تدرك مدى صعوبة العمل الصحفي حينما تقرأ أخبارًا تفيد بمنع صحفي من تغطية حدث ما، أو القبض على صحفي من منزله، كما أنه يقبع في السجون المصرية 51 صحفيًا بسبب أداء عملهم. بحسب تقدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

- أعلن "جيرارد بيكيه" لاعب نادي برشلونة في تصريحات عديدة أنه من مؤيدي انفصال كتالونيا عن إسبانيا، وأن كاتلونيا يجب أن تصبح أمة مستقلة، ومؤخرًا رفع نادي برشلونة راية العصيان وأعلن إضرابه بداية من يوم الثلاثاء، بسبب ما وصفه بانتهاكات غير قانونية ضد السكان المحليين لإقليم كاتالونيا، في مساعيهم للانفصال عن السيادة الإسبانية، وأعلن النادي أن اللاعبين لن يذهبوا لخوض التدريبات، ويسري الأمر كذلك على فرق الشباب بمختلف فئاتها العمرية ولن يقتصر على الفريق الأول.. لم يتم القبض على "جيرارد بيكيه" ولم تحاك مؤامرة داخل المنتخب الإسباني لإبعاده عن المنتخب بسبب أفكاره ومعتقداته، كما لم تقام مجزرة ضد جماهير نادي برشلونة مثلًا..
لكن الذي حدث في أم الدنيا (مصر) أن "حمادة السيد" كابتن فريق أسوان لكرة القدم ولاعب نادي المقاولون العرب سابقًا، تعرض للاختفاء القسري  بسبب طول لحيته وبسبب أن مظهره يوحي بأنه إسلامي الفكر، وما زال معتقلًا حتى كتابة هذه الكلمات.. ومازالت السلطات المصرية تطارد لاعب كرة القدم المحبوب محمد أبو تريكة بسبب أفكاره، وبزعم دعمه للإرهاب كما أنه لم يتمكن من حضور عزاء والده، ويحدث كل هذا التنكيل رغم أنه لم يعلن يومًا انتمائه لفصيل سياسي أو دعمه لأي جماعة. ولا يمكننا نسيان ما دبرته جهات مجهولة معروفة لألتراس أهلاوي في بورسعيد كي يسقط منهم 74 شهيدًا، وأولتراس زملكاوي في مجزرة  ستاد الدفاع الجوي التي راح ضحيتها 20 شهيدًا، وأعداد كبيرة مطاردة من شباب الأولتراس وآخرون محكوم عليهم بالسجن المشدد، وكل هذا بسبب أفكارهم.

- ما يلفت النظر أكثر أن الشرطة الإسبانية كانت تقمع المظاهرات لأنه بالفعل هناك تهديد لأمن أسبانيا القومي، ولأن الاستفتاء غير دستوري، ورغم أنه لا يمكن تبرير القمع بأي حال من الأحوال، إلا أن الحكومة الأسبانية تستطيع تبرير ما تفعله بأنها تحافظ على الأمن القومي، أما هنا يا صديقي فنحن نُقمع لأننا نريد الحفاظ على الأمن القومي، ولأننا لا نريد التفريط في الأراضي المصرية؛ ولنا في تيران وصنافير آية.


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة