مرحبًا بكم في المحرقة !

AFP/Getty Images


لم يكن هتلر واحد، ولم تكن محرقة واحدة، هناك مئات من "هتلر" تجدهم يحكمون بلادنا من المحيط إلى الخليج، وهناك محارق عديدة تقام في شتى بقاع الأرض، ليست بالضرورة أن تكون محرقة بالنيران، هناك محرقة فكرية تستهدف كل ذي فكر، محرقة بالقتل الجماعي عن طريق الإعدامات أوالتصفية الجسدية، أو محرقة بالسجن، أو بالتغريب خارج الوطن.

وكما أن محرقة هتلر الأولى كانت تستهدف عائلات كاملة، جاء "الهتارلة الجدد" هنا في مصر ليحكمونا ويقيمون المحارق ضد عائلات كاملة، لأن هذه العائلة أو تلك بها شخص معارض، وهنا تقام المحارق حتى لو لم يحرقوا بالنيران. وتحكمنا عقليات لو استطاعت إحراق كل مخالف لفكرها في ميادين عامة لفعلت، لولا فقط أن هناك بعض المساعدات المالية قد تنقطع عنها بدعوى الحفاظ على حقوق الإنسان.

- تبدأ المحرقة مع عائلة القيادي الإخواني محمد البلتاجي، وإن كان قد صرح تصريحات تحريضية سابقة، إلا أنه يجب أن يحاكم فقط على ما أدلى به من تصريحات تحريضية، لا أن تتوالى عليه أحكام الإعدام في قضايا وهمية، والذي حدث لأسرته لا يتحمله عقل، تقتل ابنته أسماء في 14 أغسطس 2013 أثناء فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، وبعدها بأيام قليلة يتم اعتقاله وتتوالى عليه أحكام الإعدام، ثم تُحبس زوجته ويحكم عليها بالحبس بدعوى محاولة تهريب هاتف، كما أن ابنه "أنس" ما زال سجينًا حتى الآن، وابنه الآخر عمار سجن بدعوى اتهامه بالتحريض على العنف، ثم أخلي سبيله واضطر لمغادرة البلاد. أليست هذه محرقة؟!

- وتتعرض عائلة القرضاوي أيضًا لاضطهاد جماعي بسبب شخص واحد يكرهه الأمن "الشيخ يوسف القرضاوي" ففي يونيو الماضي أوقفت السلطات المصرية عُلا القرضاوي وزوجها حسام خلف بدعوى اتهامهما بالانتماء إلى جماعة أُسست بالمخالفة للقانون، والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف الأمن ومؤسسات الدولة. وفي أغسطس الماضي، اتخذت السلطات المصرية قرارًا بالتحفظ على أموال 6 من أبناء القرضاوي، بينهم علا. واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" السلطات في مصر بممارسة انتهاكات بحقها، وأن السلطات المصرية "انتهكت مرارًا حقوق علا القرضاوي وزوجها القيادي بحزب الوسط، منذ توقيفهما في 30 يونيو"، ويتم التجديد لهما على ذمة التحقيق منذ ذلك الحين.
كما أن الزوجين احتُجزا في الحبس الانفرادي 70 يومًا على الأقل  في زنازين انفرادية ضيقة دون نوافذ أو تهوية على مدار 24 ساعة، ولا يتلقيان الغذاء الكافي، ورفضت السلطات السماح لذويهما ومحاميهما بزيارتهما.

- حدث الأمر ذاته مع شقيق الإعلامي معتز مطر، وهو مذيع قناة الشرق الذي تكرهه الدولة لمواقفه المعارضة بشدة لسياسات السلطة الحالية، وكان رد السلطات عليه أنه في 13 يوليو 2016 ألقت أجهزة الأمن القبض على منتصر مطر شقيق الإعلامي معتز مطر، وقالت المصادر للصحافة حينها، أنه هارب من 20 قضية! ولا أدري إن كان أيًا من نظام مبارك قد وصل إلى هذا العدد من القضايا أم لا؟! حدث هذا بعد أن حكم على معتز مطر  بالحبس سنتين وكفالة 5000 جنيه، لاتهامة بالتحريض ضد مؤسسات الدولة ونشر الشائعات والأخبار الكاذبة.

- أما سمية ماهر 25 عامًا، وهي ابنة عضو مجلس الشورى السابق عن مدينة دمنهور ماهر أحمد خزيمة الذي اعتقلته أجهزة الأمن في وقت سابق بتهمة الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين والتحريض على أعمال العنف، وحكمت عليه المحكمة بالسجن 18 عامًا، فقد أخفتها قوات الأمن قسريًا بعد مداهمة منزلها واعتقالها فجر يوم 17 أكتوبر الجاري. وبحسب والدتها سحر صبري "فتشت قوات الأمن المنزل واستولت على عدد الأجهزة الإلكترونية من بينها جهاز حاسوب محمول خاص بالمنزل، وهواتف شخصية لسمية وأخواتها الثلاث ووالدتهم" واعتقلت قوات الأمن سمية ووالدتها وأفرجت عن والدتها، ولكن سمية ما زالت قيد الاختفاء القسري. وكان زوجها قد اعتقل مؤخرًا وتم الإفراج عنه.

- وقد تكون المحرقة فكرية، فنظام لا يحب المحامي الحقوقي جمال عيد، لا مانع لديه من أن يحرم آلاف من أطفال الفقراء من القراءة والإطلاع بسبب مكايدة فيه، فالمحامي يدرك جيدًا أن الإنسان الواعي والمثقف يستطيع أن يفهم حقوقه ويدافع عنها ويساهم في تطوير مجتمعه، فقرر محاربة الفقر الثقافي المنتشر في الأحياء المهمشة، وبعد  حصوله على جائزة "رولاند بيرجر" للكرامة الإنسانية في ألمانيا، في نوفمبر٢٠١١، وقدرها 340 ألف يورو، لنشاطه في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن حرية الفكر والتعبير في الوطن العربي،  قام بتخصيص قيمة الجائزة لإنشاء مكتبات عامة في الأماكن الشعبية المهمشة، لخدمة الفقراء ثقافيًا، وأسماها "مكتبات الكرامة"، وأنشئ 5 مكتبات عامة في أحياء طرة ودار السلام والزقازيق وبولاق الدكرور والخانكة، تخدم المكتبات نحو 40 ألف مواطن، وكما اعتمدت على جائزة "عيد" ومتطوعين من المجتمع المحلي من أجل تنظيم ورش عمل ومحاضرات لرواد المكتبة، اعتمدت في استمرارها على التبرعات العينية، فرفض "عيد" أي تبرعات مالية وطلب ممن يريدون التبرع المادي أن يستبدلوه بالكتب.
كان للمكتبات نشاطات مختلفة، منها تشجيع شباب المناطق الشعبية على الكتابة في جريدة محلية تصدرها المكتبة، والتعبير عن آرائهم وعن مجتمعاتهم المهمشة.
فما كان من هذه السلطة "الهتلرية" إلا أن أقامت محرقة ضد مكتبات الكرامة (المجانية)  وأغلقت كل المكتبات من دون سند قانوني وبأوامر من أمن الدولة، ورغم أن مشيرة خطاب مرشحة اليونسكو السابقة زارت مكتبة من مكتبات الكرامة واطلعت على الكتب واعترفت بأنها كتب لها قيمة ويجب أن يطلع عليها أولادنا، إلا أنها لم تتدخل من أجل فتح مكتبات الكرامة من جديدو. وأغلق النظام المكتبات وكأنه يغلق أوكارًا لتجارة المخدرات مثلًا، أو يضع الشمع الأحمر على مخزن للسلاح!

- كما أن المحرقة قد تكون في عملك وفي سفرك وفي كل تفاصيل حياتك، عندما تتقدم للالتحاق بالجيش يسألونك عن أقاربك السياسيين، وعند التقدم للعمل ترفض لأنك ابن فلان السجين، وقد تفصل من الجامعة، وقد يتم اعتقالك بدلًا من أخيك، أو العكس. عندما يحكمك هتلر فمرحبًا بك في المحرقة الجماعية.


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة