كارتون الاشتراكيون الثوريون |
انتشرت الشحاذة في طول البلاد وعرضها، في شركاتها ومصانعها ومطابعها ودور نشرها، في شوارعها وحاراتها وأزقتها، في مدارسها وجامعاتها ومنابرها، في خطاباتها الرسمية والسرية، في خطاباتها الدينية والسياسية والفنية، في وسائل المواصلات ووسائل الإعلام، في الأتوبيسات العامة والصحافة الخاصة.
وبات من الضروري أن ترى ممثلًا محترمًا أو غير محترم يشحذ، لأنه حصل على راتب كبير جدًا من أجل الشحاذة، تراه مبتسمًا ووجه يشع بالطيبة والحنان قائلًا لك "تبرع من أجل كذا وكذا".
من الطبيعي أيضًا أن يتخطى سعر إعلانات الشحاذة مليارات.
إذا اتصل بك أحدهم بعد فترة انقطاع طويلة، فلا تظن أنه يطمئن على صحتك وعلى أولادك، إنه سيشحذ منك بعض المال.
لسنا دولة نفطية، ولا صناعية، ولا معمارية، بل إننا لسنا دولة، نحن شبه دولة، لذا من الطبيعي أن تعتمد شبه الدولة بشكل كبير على جيب المواطن ليصبح المصدر الأساسي لثروات البلاد، وفي قول أدق "لثروات حكام البلاد".
الرئيس يدعو الفقراء أن يتبرعوا من أجلهم هم، يطلب منهم الصبر حتى تبقى شبه دولة كما هي، يخبرهم أنهم فقراء بالثلاثة كي لا ينسوا أنفسهم، يخبرهم بأنهم لو لم يتخلوا عن "الفكة" من أجل شبه الدولة لانهارت!
لو تبرع كل مواطن بجنيه واحد سنجمع 90 مليون جنيه.
لو تخلى كل مواطن عن رغيف خبز، سنوفر 90 مليون رغيف.
لو فرضنا ضريبة على كل مواطن 10 % قد نستطيع إنشاء قناة سويس ثالثة، ونتخلى عن قنوات بي إن سبورت القطرية العميلة!
لو كل مواطن فكّر في شبه الدولة فقط، قبل أن يفكر في كيفية حصوله على طعامه وطعام أسرته، قبل أن يفكر في علاج أمه وتعليم أبنائه، قبل أن يفكر في ملابس الشتاء والصيف، قبل أن يفكر في حذاء يرتديه بدلًا من كونه حافيًا، لو كل مواطن ضحى بعمره في أي شئ غير مفهوم من أجل شبه الدولة، لبقيت شبه دولة كما هي، وحافظنا على 7 آلاف سنة حضارة لم نتدخل في صناعة يوم واحد منها.
فلتتبرع الحاجة زينب بحلقها من أجل الوطن، ولتصبح شخصية عامة يستمع إليها الناس وليس بالضرورة أن تسمعهم هي.
وليتبرع رجل فقير يعمل بالشحاذة بنصف ثروته للبلاد.
وليعطف علينا لاعب كرة القدم الأرجنتيني الشهير ويعطنا حذائه من أجل فقراء الوطن، ولنضع إعلان في ستاد مدريد نوجه من خلاله رسالة للعالم بأن عليه أن يتبرع من أجل مصر، وعلينا جميعًا أن نتجاهل الساخرين والساخرات، المخربين منهم والمخربات، ولنمضي في طريق الشحاذة.
***
الشحاذة قد تبني أمة بأكملها، وهذا ما أثبته خبير استراتيجي مقرب من جهات سيادية عالية المقام، فالرجل قد استشهد بكل شحّاذ في هذه البلاد كان شحاذًا وبنى بيتًا 7 أدوار، ومع ذلك لم يترك الشحاذة لأنها مربحة جدًا.
الخطر الحقيقي على مهنة الشحاذة، هو أنه لو صارت شبه الدولة بكل مواطنيها وحكامها وعمالها ووزرائها شحاذين، فممن سنشحذ؟!
خبير استراتيجي آخر يرى أن الحل ليس مُعقدًا، يمكننا أن نشحذ من الخارج، ويمكننا أن نشحذ من بعضنا بعض كمواطنين شرفاء، وأن تصب الشحاذة في النهاية لصالح شبه الدولة وليشحذ الحكام كل ما شحذناه، حتى نحافظ على "شبه"، صدقوني لو فقدنا "شبه" سنضيع، ونصبح مثل سوريا والعراق، لذا علينا أن نؤمن بأسلوب الشحاذة بديلًا لكل شئ عقلاني.
العقل لا يهم، العقل قد يقودك إلى السجن، إلى الاختفاء القسري، إلى الجنون، لذا فعليك ألّا تستخدمه إلّا في شئ واحد، هو الابتكار في أساليب الشحاذة الحديثة.
إلغاء العقل مهم للغاية، لأنه لو عمل جيدًا لفكرت في إعلانات الشحاذة المنتشرة على التلفاز في شهر رمضان الكريم، ولأصدرت أصواتًا من أنفك لا يصدرها إلا النائمين.
* تبرعوا لصندوق يحيا الوطن من أجل أن يحيا حكامه.
* تبرعوا لصندق يحيا الحكام من أجل أن يحيا وطنهم.
* تبرعوا لمسستشفى السرطان القديمة.
* تبرعوا لمستشفى السرطان الحديثة.
*تبرعوا لمستشفى أبو الريش.
*تبرعوا لمستشفى مميش.
* تبرعوا للقصر العيني.
* تبرعوا لقصر الاتحادية.
* تبرعوا لضحايا الإهمال.
* تبرعوا لرجال الأعمال.
* تبرعوا لمستشفى الصدر.
* تبرعوا لمستشفى الأنف والأذن.
* تبرعوا لمستشفى علاج الحروق لأن البطاطس الساخنة قد تشوه وجوه أولادكم.
* تبرعوا لمستشفى الصداع.
* تبرعوا لشراء تكييف في مسجد.
* تبرعوا لشراء مدفأة في كنيسة.
لا تفكر في كل هذا أبدًا لأن الطبيعي والمنطقي أنك ستتساءل عن كل هذه المليارات التي حصل عليها الممثلين والممثلات من أجل المشاركة في إعلانات الشحاذة.
وقد يغضبك إعلان لاعب كرة القدم العالمي الذي حصل على ما يعادل ميزانية قناة السويس 7 مرات من أجل أن يظهر في فيديو مُركّب تم تصويره في إسبانيا ويحاول إقناعك أنه تم تصويره في مصر، ويتحدث بلغة عربية لو علم أنها تضحك بهذا الشكل ما وافق على هذه الخطوة أبدًا.
قد يتحول لون شعرك إلى الأبيض في 7 دقائق بدون "حلاق" من إعلانات شركات الاتصالات التي لا غرض منها سوى أنها تخبرك بأن أول شئ في رمضان تفعله لا يمكنك نسيانه، يقولون أن مطربًا ومطربة حصلا على 8 ملايين جنيه حتى يخبرونا بهذه المعلومة!
لا تدع الفرصة لعقلك أن يعمل حتى لا يصدعك بأسئلته المنطقية "لو وفرنا هذه الإعلانات ودفع رجل الأعمال الذي دفع ملايين من أجل إعلان "بايخ" لعمرنا بيوتًا ولشيدنا مصانع ووفرنا فرص عمل واستمر الدعم، لو وفرنا تكلفة إعلان تبرعوا لإفطار 5 مليون صائم، لأفطرنا الـ5 مليون صائم في صمت".
صدقني من الأفضل أن تنحي عقلك جانبًا من أجلك أنت، من أجل أن تعيش حياة ليست سعيدة ولا حزينة، حياة وكفى.
***
على الحكومة أن تتحرك فورًا وأن تستغل الشحاذة المنتشرة في أنحاء البلاد من أجل تكوين ثروات رائعة، فكما أن هناك بلادًا قد أنشأت وزارة للسعادة، علينا أن ننشئ وزارة للشحاتة، وأن تصبح هذه الوزارة لها السيادة العظمي، وأن توفر فرص عمل لشحاذين خبراء في هذا المجال، ولتضع في كل وزارة خبير للشحاذة، وفي كل بنك مدير للشحاذة.
على هذه الوزارة أن تحارب كل شئ يعطل مستقبل البلد في الشحاذة، فلتسعى جيدًا لقطع العلاقات مع البلاد التي تضم عمالًا من بلادنا، ولتطردهم حتى يعودوا لوطنهم من أجل الشحاذة.
فلتغلق القنوات وتحجب المواقع كي يشحذ الصحفيون والإعلاميون.
ولينشأوا في كل مكان صندوق للشحاذة، في المساجد والكنائس والمصانع، ولا داعي أصلا لبقاء المصانع، ولتعطي وزارة الشحاذة أوامرها للأمن بحبس العمال حتى يتركوا العمل ويشحذوا.
وتحيا جمهورية شحاتة 3 مرات.