CNN |
في إحدى أشهر عمليات السطو المسلح، أغسطس 1973، اقتحم سويدي يُدعى "جان إيريك أولسون" بنك "كريديت بانكن" في قلب العاصمة السويدية ستوكهولم، وتحديدًا في ساحة نورمالم ستورج، واحتجز بعض الأشخاص كرهائن داخل المصرف 6 أيام كاملة، بمعاونة أحد رفاقه.
رفض رهائن "أولسون" حينها التعاون مع الشرطة، وحاولوا الدفاع عن "جان أولسون" ورفيقه أثناء محاولات القبض عليهما؛ ليس هذا فحسب؛ بعد القبض على المسلحين قام بعض الرهائن بجمع النقود للدفاع عنهم قانونيًا ومحاولة إخراجهم من السجن، كما رفضوا الإدلاء بأية شهادات ضدهم.
وقالت "كريستين إنمارك"، إحدى المختطفات في حادثة بنك كريديت بانكن، لـ الصحفي الأمريكي دانيال لانغ: "لقد أجريت مكالمة مع أولوف بالم -رئيس الوزراء السويدي آنذاك- وتوسلته أن يرسل سيارة تنقلنا مع جان إيريك إلا أنه رفض فقلت له أعتقد أنك لا تقوم بشيء سوى الجلوس هناك واللعب بأرواحنا. إنني أثق بإيريك وبزميله، ولا أشعر بأي نوع من اليأس. هم لم يرتكبوا أي أمر سيء معنا".
وأردفت مخاطبة رئيس الوزراء: "إن ما يقلقني بالفعل هو أن تداهم الشرطة المكان وتتسبب في مقتلنا. كما أن إيريك – الخاطف - قد سمح لإليزابيث بالتجوال لخوفها من الأماكن المغلقة و قد شعرت بالامتنان لذلك".
بعد هذه الواقعة أطلق الطبيب النفسي والباحث في علم الجريمة "نيلز بيجيروت" على حالة التعلق العاطفي التي يشعر بها الرهينة تجاه خاطفه مصطلح "متلازمة ستوكهولم" نسبة لمكان حدوث الواقعة.
متلازمة ستوكهولم لا تقتصر على اختطاف الأشخاص فقط، لكنها قد تكون في الاعتداء عليهم، أو الإساءة الشديدة لهم، أو العلاقات الاستغلالية، وقد يصاب الفرد أو الأفراد بمتلازمة ستوكهولم لعدة أسباب رئيسية منها:
- وجود تهديد لسلامة الشخص البدنية أو النفسية أو لعائلته، والاعتقاد بأن الشخص المسيء سوف ينفذ تهديده، وهنا تصبح الضحية غير قادرة على الكلام أو الأكل أو قضاء الحاجة من دون الحصول على إذن من الخاطف؛ وتحاول الضحية إرضاء الخاطف خوفًا من الأذى.
- إيمان المخطوف بقدرة ورغبة الشخص الخاطف في قتله، فيحدث اضطراب نتيجة الخوف، ويشعر المخطوف بأنه اقترب من الموت، مما يخلق بداخله عجز وهمي يوصف بالعودة لمرحلة الطفولة.
- وجود حالة تعاطف أو معاملة تبدو حسنة من الخاطف تجاه الضحية؛ يحدث ذلك عندما يقدم الخاطف بعض الطعام إلى المخطوف، أو معاملته بشكل حسن طالما أنه لم يخترق القواعد التي وضعها الخاطف.
- العزل عن جميع الأطراف المساعدة والداعمة للضحية، بحيث لا يرى المخطوف سوى خاطفه.
- الاعتقاد بأن الهروب من الخاطف أمر مستحيل، وأنه لا بديل سوى الاستسلام للخاطف، وهذا يولد إيمانًا لدى المخطوف بأن الخاطف هو المخلص الوحيد، ويقول علماء الطب النفسي أنه يولد داخل المخطوف حالة عشق تجاه الخاطف كما حدث مع كريستين إنمارك.
لم تكن حادثة ستوكهولم هي الحادثة الوحيدة، ففي كتابها "غسيل الدماغ: علم التحكم بالتفكير" تحكي الكاتبة "كاثلين تيلر" قصة الفتاة "باتي هيرست" وتقول: "في 1974، اختطفت باتريشيا هيرست، وريثة وحفيدة وليام راندولف هيرست، أحد عمالقة وسائل الإعلام الأمريكية قوية النفوذ، من قبل منظمة تطلق على نفسها اسم جيش التحرير التكافلي، وقد احتجزت في خزانة مقيدة ومعصوبة العينين أسابيع عدة، تعرضت خلالها للاعتداء الجسدي، في أثناء ذلك طالب جيش التحرير مؤسسة هيرست بفدية، لم تقتصر على طلب المال، بل منحة غذائية بقيمة ملايين الدولارات، وإطلاق سراح اثنين من أعضاء جيش التحرير".
وتكمل تيلر القصة قائلة: "في العام نفسه تسببت باتي هيرست بضجة إعلامية بمشاركتها جيش التحرير في عملية سرقة مصرف في سان فرانسيسكو، أعلنت على إثرها على الملأ شجبها لعائلتها وأبدت التزامها بجيش التحرير، بعد اعتقاله في أيلول 1975، بعد المشاركة في عملية سطو أخرى".
في ذلك الحين كانت "باتريشيا" ابنة الملياردير "راندولف هيرست" في التاسعة عشر من عمرها، وبعد أن بدأت محاكمتها، في مداولات وتحقيقات عديدة، قالت المحكمة الأمريكية أن باتريشيا مذنبة، وأنها ارتكبت جرائم السطو عن اقتناع وطواعية.
***
في مصر قطاع عريض أصيب بمتلازمة جديدة تسمى "سيسيكهولوم" وهذا القطاع من الكائنات قادر على إسهال تبريرات غير منطقية، وقد تتفوق هذه الكائنات في إسهالها على طائر البط.
ظهرت هذه الكائنات بعد مظاهرات 30 يونيو أو ما يعرف بالثورة المضادة، والتي كنت أحد المشاركين فيها.
بعض صفات مرضى سسيكهولوم المصري:
- بعد أن أعلن السيسي أن والدته قالت "متاخدش حاجة مش بتاعتك" في إشارة إلى بيع تيران وصنافير للملكة العربية السعودية، ووجدناهم يقولون أن تيران وصنافير كانت محتلة من قبل القوات المصرية، أو أن مصر كانت تحميها بمقابل مادي. لكن بعدما أوقفت شركة أرامكو السعودية تصدير البترول إلى مصر، وجدنا نفس المرضى يقولون أن السيسي كان يلعب مع السعودية بذكاء ودهاء، وأنه يجهز خازوقًا للملكة العربية السعودية ولن يسلمهم تيران وصنافير بعد اتفاقه مع البرلمان، وبأن البرلمان لن يوافق على البيع.. وهناك فريق سيساوي كان يرى أن أحكام القضاء بمصرية الأرض كانت باتفاق مع السيسي.
هؤلاء أيضا سبوا السعودية بعد أن كانوا يمدحونها، كلامهم كان مطابقًا لكلام الإعلامي أحمد موسى، فإذا قال أن المملكة العربية السعودية شقيقة، فهي شقيقة، وإذا قال لهم "انتي نسيتي نفسك يا سعودية ولا ايه؟ دا احنا مصر" فهو كذلك!.
- قد تجد مريض بمتلازمة "سيسيكهولوم" في هيئة بني آدم لا يصدق إلا رئيسه، فعندما قال السيسي بعد أن تولى الحكم أنه "لن يحدث ارتفاع في الأسعار، وأن الدولار لن يرتفع، وأن البلد دي بلدنا وكلنا هناخد فيها بما يرضي الله.. وبالقانون" ظل مصدقًا كل هذا الهراء حتى وقتنا الحالي، ولا يصدق كل ما يحدث حوله من ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية، بل ويصدق أن انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار ليس إلا كذبًا إعلامي، ولو حدثت معجزة بعد شراء شئ ما بنفسه واكتشف أن ارتفاع الأسعار حقيقي، يبدأ في إسهال التبرير، لنفسه ولغيره "هو السيسي هيعمل إيه يعني؟ هيتحمل إيه ولا إيه".
- هؤلاء قد يتهمون شيوعيًا بأنه ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، طالما أن النيابة اتهمته بذلك، أو أن إعلام الأمن حاول تشويهه، وحدث هذا بعد القبض على القيادي العمالي كمال خليل، كما حدث مع كل من خالد علي وحمدين صباحي بعد أن عارضوا بيع تيران وصنافير.
- في سابقة عجيبة يهتفون بأن تيران وصنافير سعودية، ويقولون عن الذين قالوا أنهما مصريتان خونة!
- تناسوا أن العدو الأول لمصر هو ما يسمى "إسرائيل" ويؤمنون بأن العدو الأكبر "إيران، حماس، تركيا، قطر". طالما أن السيسي يؤمن بذلك.
- هؤلاء المرضى رغم كل ما حدث من بناء 21 سجنا بعد الثورة، وقمع كل معارض أو مؤيد معترض على قرار ما، ورغم حجب 114 موقعا صحفيا أكثرهم لا علاقة لهم بالإخوان، ورغم أن السيسي أوصل سعر الدولار من 7 جنيهات إلى 18 جنيها، وفي عهده ارتفع الدين الخارجي من 34 مليار دولار إلى 36 مليار، كما تخلى عن تيران وصنافير، وأدخلنا في معارك خارجية، وحوّل مصر إلى دولة تابعة لعدة دول أخرى؛ ما زالوا يظنون أن مصر ستحيا 3 مرات في ظل حكم السيسي، وهؤلاء لو ترشح السيسي للمرة المائة سيرقصون أمام اللجان على نغمة تسلم الأيادي، وهؤلاء أيضًا لا مانع لديهم من الدفاع عن أي منتصر وقوي حتى لو كان ممثلًا لقوى استعمارية.
(اللهم اشفي مرضانا ومرضى سيسيكهولوهم).