محمد مختار، مصري محتفي في سجون السعودية |
من مهام السفارات، تأمين خدمات مواطني دولتها المقيمين في بلد ما، وحماية أي مواطن يشعر بعدم الأمان، ويحق لكل مواطن يشعر بعدم الحماية التوجه لسفارته ليسلم نفسه ليلقى القبض عليه من سلطات بلده ليقضي عقوبته بوطنه.
ولكن هذه المهام تطبقها الدول فقط، لا تطبقها شبه دولة.
فقد اختفى المواطن المصري محمد مختار في المملكة العربية السعودية، منذ أكثر من 20 يومًا، ولا يعلم ذويه مكانه حتى هذه اللحظة، والسفارة المصرية لا تبال باختفائه، هذا إن لم تكن لها يد في ذلك، ويبدو أن نشاط محمد مختار السياسي ودفاعه عن كل السجناء مهما كانت أفكارهم سببًا في اختفائه، فلم يمل مختار من الدفاع عن حقوق السجناء السياسيين وحريتهم يومًا، وجعل حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" صوتًا لكل مظلوم.
لم تتدخل السفارة المصرية في السعودية ولم تتخذ موقفًا حتى الآن، لتؤكد على أن كرامتنا مهانة داخل البلاد وخارجها بسبب حكومات فاسدة تحكمنا في شبه دولة.
وقد كتب شقيق محمد مختار شهادته حول ما جرى فيقول: "لقد ظللت صامتًا لحين الانتهاء من كل السبل القانونية وتحملت ما لا يطيقه بشر من أجل ألا يتعرض شقيقي للخطر، ولكني الآن أريد أن أقول لكم، أني مواطن مصري رخيص يبحث عن أخيه في السعودية، ومن أول ما ذهبت للمعقب فى شركة stc قال إن الأمن السعودي قبض على محمد أحمد مختار محمد، وأجبروه على توقيع استلام مستحقاته، وسلّم السيارة، ثم قبض الأمن على مختار.. وأنا أبحث في كل أقسام الشرطة والسجون ولم أجد محمد حتى الآن، كما لم أجد اسمه فى قضايا أو وسجلات الوقف بما فيهم البحث الجنائي".
يحكي شقيق مختار كيف استنجد بالسفارة المصرية بالسعودية على سبيل أنه مواطن مصري، ويقول: "كتبت شكوى باختفاء شقيقي محمد وطبعا لا يمكن أن تتخيلوا المعامله هناك من المستشارين القانونين بالسفارة، بعدها ذهبت مقر شرطة النسيم أكتب بلاغ باختفاء محمد أحمد مختار محمد، محضر رقم٣٩٠٠٩٠٠٨٧٦، وبعدها بيومين ذهبت للسفارة مرة أخرى ولكن كان رد المستشار أكثر غرابة، فقال أن أخي في سجن عليشه أو الحائر، وأنه ليس من حقى رؤيته، كما أكد لي أنهم لم يتأكدوا من هذه المعلومات بعد، مشيت أضرب أخماسًا في أسداس وبدأت أسأل مرة أخرى في السجون لعلني أجده، لكن من دون جدوى، عدت إلى السفارة المصرية للمرة الثالثة، وأبلغتهم أن عليهم أن يتدخلوا لأن المختفي مواطن مصري، فضحكوا على أقوله وكأنني مجنون وسألني أحدهم "إنت مش عايش في الدنيا ولا إيه؟".
أما زوجة محمد مختار فقد خاطبت الخارجية المصرية بشأن اختفاء زوجها، ولكنها لم تتلق رد حتى الآن.
يضيف شقيقه أنه يحترم السعودية وقوانينها ولا مشكلة له معها وأنه يعمل في السعودية منذ 2012، ولم يدخل قسم شرطة أبدًا، ويقول أن مشكلته الآن مع السفارة المصرية، وأنه لو كان من بلد غير مصر، لعلم أين أخيه، وما هي تهتمته؟! ويؤكد أنه ظل طوال 15 يومًا ينتظر مقابلة السفير المصري، ولكن جاء الرد في النهاية "المستشار القانوني هيتابع معاك".
السفارة المصرية في السعودية تعد شريكة في جريمة إخفاء محمد مختار، إما بصمتها، وإما بالابلاغ عنه. أما وزارة الخارجة المصرية فقد تفرغت للرد على الجرائد العالمية التي تذكر بعض ما يجرى في الداخل المصري من كوارث اقتصادية أو صحية أو تعليمية، كما تفرغت للرد على منظمات حقوق الإنسان التي تدين بعض الانتهاكات الحقوقية اليومية، لكنها لم تتفرغ يومًا للمصريين الذين يعانون في الخارج، ولعل كل مواطن خارج بلاده قد تعرض لأزمة ما، واستنجد بسفارته المصرية، يعلم عن ماذا أتحدث؟.
ولا أرى لصمت وزارة الخارجية المصرية على اختفاء المواطن المصري محمد مختار في سجون السعودية، أو على أي انتهاكات يتعرض لها المصريين بالخارج، سببًا سوى أن هناك سياسة متعمدة لترخيص كل ما هو مصري.
فأخبار اختفاء المصريين في الخارج أو ضربهم أو إهانتهم أو اعتقالهم أو ترحيلهم، باتت أمورًا عادية يومية، ولا طريقة للدفاع عن هؤلاء سوى بالكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي، نظرًا لأن الحكومة لا تبالي لحياتهم.
فبالإضافة إلى محمد مختار المختفي في سجون السعودية، اختفى المواطن محمد نوار في جنوب إفريقيا، منذ أكثر من شهر، وقالت شقيقته داليا نوار، أنها لا تعلم عنه شيئًا وأنه ليس له عداءات ويعمل بجنوب إفريقيا منذ 13 سنة.
وتساءلت لماذا لا تتعامل السفارة المصرية مع قضية شقيقها كما تعاملت إيطاليا مع قضية ريجيني؟
وقتل رجل أعمال مصري يدعى محمد عبد القوي سالم في تركيا وكانت أسرته قد استنجدت بوزارة الخارجية قبل إعلان وفاته، دون أن تتلقى أي رد.
وعلى كل حال لا يسعنا في ظل هذا الصمت الرسمي تجاه ما يحدث للمواطنين المصريين في الخارج، إلا نواصل نحن الحديث عنهم كلما أتيحت لنا الفرصة. يقول ألبرت آينشتاين: "إن العالم مكان خطير، ولكن ليس بسبب من يرتكبون الشر، وإنما بسبب أولئك الذين يكتفون بالمشاهدة ولا يحركون ساكناً".