الاختفاء القسري (كارلوس لاتوف) |
"ترددت كثيرًا قبل الكتابة ونصحني بعض الأصدقاء بعدم الكتابة، لكن بعد تفكير عميق وجدت أن الشخص الذي أخشى عليه من الكتابة لا يمكن أن يصيبه مكروه أكثر مما أصابه؛ أثناء فترة اختطافي فى إحدى مقرات أمن الدولة التى لا أعلم مكانها إلى هذه اللحظة لأني كنت معصوب العينين، قابلت حينها فتى يدعى "محمد عبدالحميد محمد" من محافظة الشرقية، هذا الفتى قد اختطف منذ فض اعتصام رابعة العدوية، ولم يتم عرضه للمحاكمة إلى الآن، ولا تعلم أسرته مكان احتجازه، ولا هو نفسه يعرف مكان احتجازه؛ صعقت من سؤاله عندما سألني عن التاريخ اليوم؛ ولم يسألني كم الساعة اﻵن كباقي البشر، وعندما أخبرته بأننا يوم 2 أغسطس 2015 سمعت صوت بكائه الشديد، ولم أستطع الحصول منه على أي معلومات سوى اسمه وعنوانه، برجاء احفظوا هذا الاسم جيدًا؛ محمد عبدالحميد محمد"
منقول بتصرف عن الشاب "مازن شريف" الذى اختطفته أمن الدولة فى احدى مقراتها بشكل غير قانونى، ولكن كتب الله لهذا الشاب النجاة ليخبرنا أن هناك حالات اختفاء قسري قد تخطت فترة اختفائها العامين وكى يعطي الأمل لأهالي من ظنوا أن أبنائهم المختفين قد قتلوا.
* جائتني رسالة عبر البريد الإلكتروني من شخص يستغيث بالكتابة من أجل إنقاذ أسرة كاملة، محتوى الرسالة يفيد بأن شقيقين من أسرة واحدة قد اختطفتهما قوات الأمن يوم 15 مارس الماضي من محل الملابس الذي يعملان به فى شارع الشواربى بوسط القاهرة، وهما "محمد البدري رمضان وخالد البدري رمضان"، واختطفت أيضًا أحد العمال بالمحل ويدعى "على حسب الله على"، وأن الجيران عندما سألوا الذين وضعوا الثلاثة فى سيارة ميكروباص عن هويتهم أخبروهم بأنهم جهة أمنية ولن يسمحوا لأي شخص بالتدخل وإلا أخذوه معهم، وإلى الآن لا نعلم أين مكانهم ولا نعلم هل ما زالوا على قيد الحياة أم لا؟! وإن كانوا على قيد الحياة فكل ما نريده هو محاكمتهم بشكل طبيعي أمام القضاء.
* استغاثت أسرة المواطن "محمد عبدالستار حافظ" الذى يعمل محاسبًا بأحد البنوك بمنظمة - هيومان رايتس ووتش - بعد اختطافه من قبل قوات الأمن يوم 12 أغسطس 2015 من الشارع، وأفادت الاستغاثة بأن قوات الأمن اقتحمت المنزل بعد اختطافه وحطمت محتوياته.
* أما "إسلام خليل" الذي كتبت عنه مرات عديدة، ولن أمل الكتابة عنه حتى يحين ميعاد ظهوره، فإسلام قد اختطف من منزله يوم 24 مايو 2015 وإلى لم يتم عرضه للتحقيق، ولا يعلم مكانه إلا الله وجهاز الداخلية، يذكر أن شقيقه الذي اختطف معه وكتب له النجاة كما كتبت لوالده الذي اختطف معهما، قدّم عشرات البلاغات للنائب العام، ولكن البلاغات لم يتم التحقيق فيها إلى الآن.
***
1 - حدثنا السيسي عن أهمية الدستور قائلًا: الدستور قد كتب بنوايا حسنة ولكن الدول لا تبنى بالنوايا الحسنة! وهنا يجب أن نتساءل هل تبنى الدول بالنوايا السيئة؟ هل تبنى باختطاف الناس من البيوت والشوارع وأماكن العمل ثم إخفائهم وتعذيبهم؟!
فالرجل يصرح بشكل واضح بأن هذا الدستور يجب أن "نبله" ونشرب ميته. فالدستور يمنع احتجاز الناس دون دليل ويمنع احتجازهم فى أماكن غير معلومة وغير مختصة للاحتجاز، وينص على أن المتهم يجب أن يتم التحقيق معه أمام النيابة خلال 24 ساعة. ولكن ما فائدة كل هذه الكلمات المعسولة مادامت حبر على ورق؟ وما دام من يحكم البلاد يرى أن الدستور قد كتب بالنوايا الحسنة وأن النوايا الحسنة لا تبنى الدول؟!
2 - بات من المعلوم أن أعضاء المجلس القومى لحقوق الإنسان -إلا من رحم ربي ممن اعترضوا على بيان المجلس- ليس إلا بوقًا من أبواق النظام الحالي، يدافع عنه، يبرر له انتهاكاته ضد المواطنين، فكم من شكاوى قدمها أهالي مختطفين ومعتقلين ومعذبين للقومى لحقوق الإنسان دون فائدة ودون نتيجة؟! وليس هناك دليل على عدم جدوى هذا المجلس أكثر من استغاثة أهالي أحد المختفين قسريًا بمنظمة هيومان رايتس ووتش وتجاهل ما يسمى بالمجلس القومي؛ فوجود المجلس القومي لا يفيد إلا النظام ولا يضرّ إلا المواطن الذي يتعرض للظلم والانتهاك فيطل علينا المجلس ببيان ينفي الانتهاكات بكل بساطة. كما أن القاضي محمد ناجي شحاتة قد رد على أحد المتهمين الذى اشتكى له من انتهاكات يتعرض لها داخل سجن العقرب قائلًا: "مش البتاع اللي اسمه القومي ده زاركم وقال مفيش حاجة؟!" كما نقل لنا المحامي الحقوقي مختار منير الذى كان حاضرًا فى جلسة المحاكمة.
3 - النيابة لا تحقق بشكل فوري إلا فى البلاغات المقدمة من أحد رموز النظام السابق أو الحالي ضد أى شخص تربطه علاقة بالثورة، ولكن إن تعرض أحد المواطنين للظلم كما أن تعرض إسلام خليل فلن يتحرك لها ساكن، بالإضافة إلى أن النيابة تشارك بشكل رسمي فى اختطاف الناس دون وجه حق. فماذا قدمت النيابة لإسراء الطويل التى تم اختطافها أكثر من 15 يومًا فى مكان غير معلوم سوى أنها دائمًا تأمر بحبسها بشكل مريب؟! فالنيابة لم تفكر حتى فى محاسبة المسئول عن اختطاف إسراء ورفيقاها عمر وصهيب؛ بل إنها لم تفكر فى العصا الذي تتوكأ عليه، ولم تفكر فى أنها قد تصاب بالشلل من جديد!
4 - هناك من تم احتجازه فى أماكن غير معلومة لفترة تجاوزت العامين، وهؤلاء من الراجح أنهم يتعرضون للتعذيب بشكل يومي وإلا فلما يخفونهم عن الأنظار؟! أما وجود شهادات صادقة وأدلة واضحة حول اختفاء المئات منذ عامين يجعلنا نفكر مائة مرة فى تصريحات وزارة الداخلية الكاذبة، والتي لا يقتضي العقل تصديقها، فدائمًا نجد أن الداخلية تنكر الاختطاف والتعذيب والتلفيق والبلطجة على خلق الله، ولكن بماذا يفيد الإنكار إذا كنا نحن من نتعرض للاختطاف والتعذيب والتلفيق والبلطجة؟!
5 -الاختفاء القسري ليس إلا أسلوبًا من أساليب صناعة إرهابي بدرجة امتياز، فماذا تنتظرون ممن لا أثر لهم؟! وممن يتعرضون للتعذيب بشكل ممنهج لفترات طويلة؟! هل تنتظرونهم علماء ذرة مثلًا؟! أم صناع قنابل بدائية الصنع من أجل الانتقام منكم ومنا؟!
***
كثيرون هم من يتساءلون عن جدوى الكتابة؟ وأنا منهم، ولكنى أؤمن بأن الكتابة لها جدوى، على الأقل من أجل هؤلاء المختفين قسريًا وغيرهم ممن يتعرضون للظلم، فالكتابة سلاح يفضح جرائم الحكام ويزعجهم، وعندما نبحث فى كتب التاريخ نلاحظ أن أى ديكتاتور حاول تثبيت ديكتاتوريه فأول خطوة كان يخطوها هي الاستحواذ على وسائل الإعلام، حتى فى العصور الجاهلية كان الشعراء المقربون من الملوك يمدحونهم بشكل مبالغ من أجل التقرب منهم والحصول على هدايا الملوك. فلا تتركوا الكتابة للمنافقين. ولا تجعلوا الساحة فارغة لمن يرقص ويطبل ويطالب بتعليق المشانق للشعب وبذبح كل من له مطالب مشروعة.