المتهم مدان ولو ثبتت براءته

كارتون (الاشتراكيون الثوريون)


أنت متهم بحرق كليتي تجارة وزراعة بجامعة الأزهر، والاعتداء على كلٍّ من الملازم أول معتز محمد محمود، والنقيب أحمد مدحت؛ كما أنك متهم بتكدير السلم العام، والتجمهر، والتظاهر، والانتماء إلى جماعة محظورة، واغتصاب فتاة تدعى هدير، ومحاولة تدمير كوكب الأرض وبلوتو والمريخ!
هناك مجموعة من الاتهامات يطلق عليها المساجين السياسيون كلمة "كوكتيل"، وهي كوكتيل من الاتهامات تتهم به النيابة كل من ليست له تهمة ولم يرتكب جريمة. فما أسهل أن تتهم أي شخص بالانتماء إلى جماعة محظورة دون أي دليل!
كانت هذه هي الاتهامات التي وجهتها لي النيابة أثناء التحقيق معي في معسكر الأمن، وقتها ضحكتُ وأشرتُ إلى الكاميرا التي في حوزتي، وقلت: هل سأفعل كل هذا بالكاميرا؟! وهل سأغتصب وأحرق وأتظاهر وأعتدي في وقت واحد؟!
فقال وكيل النيابة: هذه التهم موجهة لـ 76 طالباً وطالبة، وليست موجهة لك وحدك.
سألته: وكيف يمكن لكل هذا العدد أن يغتصب فتاة وما زالت الفتاة على قيد الحياة؟! وكيف شاركت الفتيات في اغتصاب هدير؟! وأين هي هدير؟!  نظر لي نظرة بلهاء وقال: "إنت هتحقق معايا.. أنا اللي بسألك"!  قلت: يا سيدي الفتيات لا يسمح لهن بدخول جامعة الأزهر بنين، فكيف يتهمن بحرق كليتين بجامعة الأزهر بنين؟!
المادة (64) من الدستور: حرية الاعتقاد مطلقة.  كان وكيل النيابة يملي على الكاتب أوصافي ليكتبها في التحقيق، وأغرب الأوصاف التي أملاها عليه أنني ملتح! اعتبر ذقني لحية، أما أمن الدولة فظن أنني شيوعي. فأنا لست متهما في كلا الحالتين بالشغب أو بالحرق، ولكني متهم بأنني ذو فكر ما مخالف لعقيدة الكذب التي يؤمنون بها.
المادة (65) من الدستور: حرية الفكر والرأي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير.  حضر المحامي بعد أن أوشك التحقيق على الانتهاء، ونجح في الدخول إلى معسكر الأمن المركزي بعد دفع رشوة لأحد أمناء الشرطة، وكان معه شهادة من شبكة يقين الإخبارية ونسخة من التصريح بالتغطية الصحافية لأحداث جامعة الأزهر، والتصريح الحكومي للشبكة بالعمل الرسمي، ولكن بماذا تفيد الأوراق إذا كانت النيابة تعتمد على تحريات أمن الدولة؟!  فأنت أمام النيابة مدان حتى لو ثبتت براءتك. أنت أمام شرطة تعتقل وتعذب، وأمن الدولة يكتب تقارير عشوائية، ونيابة تجدد من دون تحقيق. ومع كل هذا، كان من المنطق ألا تخلي النيابة سبيل أي طالب أو طالبة من الـ 76 متهماً!
المادة (53) من الدستور تنص على أن المواطنين لدى القانون سواء، متساوون في الحقوق والحريات والواجبات ولا يجوز التفرقة بينهم بسبب الانتماء السياسي أو أي سبب آخر.  وفي تحقيق وكيل نيابة مع أحد الطلاب، ويدعى أحمد عبدالحكيم، كان الحوار كالآتي:  وكيل النيابة:لماذا أنت مرتبك بهذا الشكل؟!  الطالب: أشعر بالقلق على والدتي، لأنها لا تعلم عني شيئاً إلى الآن، ثم إني لأول مرة أتعرض لهذا الموقف.  وكيل النيابة: تلك نهاية من يمضي مع الإخوان!  الطالب: لم أكن يوماً مع الإخوان.  وكيل النيابة: ولكن جاءتنا معلومات أنك انتخبتَ محمد مرسي!  الطالب: أقسم أنني لم انتخبه، بل انتخبتُ حمدين صباحي.  وكيل النيابة: لماذا حمدين صباحي؟!  الطالب: كان يعجبني حديثه في التلفاز.  وكيل النيابة: أنت يساري؟  الطالب: يعني إيه؟!  وكيل النيابة (يتفلسف): كل إنسان له أفكار، هناك من له أفكار إسلامية أو ليبرالية أو يسارية، فما هي أفكارك؟!  الطالب: لم أفهم من كل هذا الكلام سوى كلمة إسلامية!  وكيل النيابة: على كل حال أنت متهم بعدة اتهامات، سنكتب في التحقيق أنك أنكرت كل الاتهامات، هل توافق؟!  الطالب: إفعل ما تراه، ولكن أستحلفك بالله أن تتركني فأنا لم أفعل شيئاً سوى أنني كنت ذاهبا إلى أول أيام الامتحان في الجامعة.
انتهى التحقيق على هذا الحال!  وحكم على الطالب أحمد عبدالحكيم في النهاية بالسجن 5 سنوات والمراقبة الأمنية 5 سنوات، مع أنه كان ضمن الشباب الذين وقّعوا على ورقة تعهد بعدم العودة إلى العنف من جديد مقابل الإفراج، مع أنه لم يشارك في العنف أصلا.
هذا مثال لتوضيح "الهرتلة" التي تسمى تحقيق نيابة، فقد ظلت النيابة تحقق معنا 17 شهرا، من دون وجود دليل أو شاهد أو سلاح في حوزة أحد المتهمين، ولكن مع هذا كتبتْ أن المتهمين ضبطوا وبحوزتهم مفرقعات ومواد حارقة، ولم يكن في حوزة أحدهم شيء سوى الكتب والأقلام.


موضوعات متعلقة:

ترحيلات الموت

رمضان جانا.. فى الزنزانة

نعلم أنك بريء ولكن..

السجون في الصيف



شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة