عندما سقط البنطلون



"لا بد من برلمان جديد ومن أسئلة
من الشعب يا شعب.. هل كل كائن يسمى مواطن؟
ترى هل يليق بمن هو مثلى قيادة لص
وأعمى وجاهل؟"

كنت أظنه طابورًا لفقراء يتصارعون على الأطعمة التى توزعها سيارات الجيش غير مبالين لكاميرات الصحافة التي تحاصرهم من كل جانب لتلتقط صورا لهذا وهو فرحًا بما حصل عليه من أشياء بسيطة، وأخرى لذاك وهو يتصارع ويناضل من أجل الحصول على اللحوم التي زادت أسعارها أضغافًا مضاعفة. ولكنهم لم يكونوا كذلك.
رأيت أحدهم يصرخ ويتصارع، رأيته يصعد فوق طابور المتصارعين ويحاول الزحف ليصل إلى الأمام، فاغتاظ منه أحد المتصارعين الذى قرر أن يسحب منه بنطاله، وفعلا نجح فى أن يسحب البنطال من جسده، وسقط "البنطلون" بنجاح، وانتشرت رائحة ما تحت البنطلون الكريهة، فأخذ يصرخ وتظهر على وجهه علامات الجنون ويزيح هذا ويضرب ذاك، ولسان حاله يقول، دعونا نتحدث باسم الشعب فنحن خير من نأكل أقوات الشعوب، نحن الأغنياء، نحن الأغبياء، نحن من نستحق تمثيل الشعب..
كان هذا الصراع صراعًا لتقديم أوراق الترشح لمجلس الشعب، وعندما سقط البنطلون ظهرت العورة، ظهرت المؤخرات الضخمة التى تضخمت من فرط الجلوس على أجساد الفقراء. هؤلاء هم من سيمثلون الشعب فى البرلمان القادم الذى لن تجدوا فيه وجوها تسرُّ الناظرين.

"وهل تقبلون لسيدكم
أن يساوى ما بينكم أيها الأغنياء
وبين الرعاع.. اليتامى.. الأرامل؟!"
في بلادي لا يجوز لابن عامل النظافة أن يصير قاضيًا، ولا يمكن لابن بواب العمارة المتفوق أن يصبح ضابطًا، عندما تتقدم بأوراقك لكلية الشرطة أو أي من الكليات العسكرية يسألونك عن أهلك وعن أموالهم وهل يملكون من الممتلكات ما لا يملكه الفقراء؟! والحاصلون على امتيازات فى كلية الحقوق ليست الأولوية لهم فى أن يصيروا وكلاء نيابة ولكن الأولوية لضباط الشرطة أو أبناء القضاة، فى بلادى ابن القاضى يصير قاضيًا وابن الضابط يصير ضابطًا، ومخترع جهاز الكفتة يصبح عالمًا والظالم يمكنه أن يكون وزيرًا للعدل، ومن يطالبون بإعدام المعتقلين يمثلون المجالس التي تدافع عن حقوق الإنسان.

عندما تقرأ خبرًا فى جريدة ما، يقول: قرار بمنع أبناء الأقاليم من الالتحاق بكليات الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية، واستثناء أبناء القضاة وكبار الضباط من هذا القرار. ستظن أنك تقرأ مقطوعة تاريخية عن تاريخ الإقطاعية، وإذا أقسموا لك بكل الكتب السماوية أن الخبر بتاريخ أغسطس 2015 وأن هذه القرار قد أُصدر فى عهد السيسي لن تصدق حتى لو أن السيسي نفسه أخبرك بهذا لن تصدق، فأنت لن تصدق إلا أن هناك إنجازات وقناة سويس ثانية وثالثة وسابعة، واكتشاف آبار غاز جديدة تكفى لتريليون سنة وأن إسرائيل أعلنت الحداد بعد اكتشاف آبار الغاز الجديدة.

"سأمنحكم حق أن تخدموني
وأن ترفعوا صورى فوق جدرانكم
وأن تشكروني لأني رضيت بكم أمة لى.
سأمنحكم حق أن تتملوا وجهي فى كل عام جديد"

رغم أن السيسي لم يشارك فى حرب السادس من أكتوبر ولا علاقة له بها من قريب ولا من بعيد، إلا هناك دائمًا من يقرر الاحتفال بذكرى نصر السادس من أكتوبر برفع صور السيسي فى الميادين، والمطالبة بإعدام الإخوان والمعارضة، على أساس أن حرب 6 أكتوبر كانت دائرة بين السيسي و \الإخوان والمعارضة. ورغم أن السيسي يعد قائد الثورة المضادة لثورة 25 يناير إلا أننا سنجد بعض أبناء مبارك يحتفلون فى ذكرى الثورة يحملون صور السيسي ولا مانع من أن يضعوا البيادات فوق رؤوسهم، فنرى أن أناسًا يكرهون الثورة يرفعون صورًا لمن يعتقل شباب الثورة ليحتفلون بذكرى الثورة!

"حق الغضب
وحق الرضا
لى أنا الحاكم المنتخب!
حق الهوى والطرب لكم كلكم
فأنتم جماهير منتخبة!"

غاضبون هم من يحتمون من الشمس والمطر والأتربة فى عشش صغيرة بشوارع السودان، لأنهم لا يملكون بيوتًا كبيوت الأغنياء، لأنهم ليسوا أبناء قضاة وليسوا أبناء ضباط، وليسوا أبناء عسكر، غاضبون لأن عششهم التي تحتويهم قد قررت الحكومة هدمها، ولكن الغضب لا يجوز شرعًا عند علماء الحاكم، ولا يجوز دستورًا عند القضاة، ولا يجوز قانونًا إلا لأمناء الشرطة، فتعتدي عليهم الشرطة لأنهم غضبوا، تضرب رجلًا يحمل طفله الصغير، وتضرب سيدة تدافع عن ابنها الذي تعتدي عليه الشرطة، فليس من حق الفقراء أن يغضبوا، الغضب والرضى صفتين لا يحق لنا امتلاكهما لأننا لسنا جنرالات. ولكن من حقنا أن نغُنى طالما غنائنا لا يسخر من الحاكم، من حقنا أن نرقص أمام المقرات الانتخابية دعمًا للحاكم، فنحن جماهير قد اختارها الحاكم.

"وحدى أنا أيها الشعب
أعمل وحدي
ووحدى أسنّ القوانين"

في 6 أشهر فقط، أصدر حاكمنا المبجل 236 قانونًا بواقع 3 قوانين كل 48 ساعة، دون مراقبة من برلمان، أو معارضة، لأنه لا يوجد برلمان، وحتى إن وجد فسيكون برلمانًا قد سقط بنطلونه من أجل دخول البرلمان، وسيكون مؤيدًا لكل القرارات والقوانين مهما كانت غرابتها، أما المعارضة فهي مشغولة بصراعاتها الداخلية وكلمة معارضة فى بلادنا تعد لفظًا أبيحًا بالنسبة للحكام ووسائل الإعلام، فالمعارض بالنسبة إليهم هو الخائن العميل الذى لا يريد لبلاده الخير.

"فى السجن متسع للجميع
من الشيخ حتى الرضيع"

الطالب محمود محمد كان يبلغ من العمر أقل من 17 عامًا قبل اعتقاله، مضى الآن فى السجن أكثر من 580 يوم. لأنه حلم بوطن بلا تعذيب وترجم حلمه إلى شعار كتبه على قميصه، هناك أيضًا خلف القضبان شيوخًا كبار السن يموتون من انعدام الرعاية الصحية، وهناك سناء محرز ويارا سلام وسلوى محرز وهبة قشطة وأسماء وماهينور المصري، وفتيات أخريات، هناك علماء وطلاب، هناك مؤيدون ومعارضون، السجن فى وقتنا الحالى يتسع للجميع أكثر مما يتسع الوطن.

"لا هدف، غير أن تستقر الأمور
على ما استقرت عليه
أمير على عرشه
وشعب على نعشه"

القتل، والاعتقال، والفشل، والغلاء، والتجهيل، كلها جرائم ترتكبها السلطات المختلفة فى حق الشعب منذ ثورة 25 يناير، جميعهم يرتكبوها بدعوى البحث الاستقرار – استقرار الأمير على عرشه - فجنودنا تقتل على الحدود ونحن نقتل بدلًا من القاتل، ونرتمي على برش السجون بدلًا من الإرهابي الحقيقي، ونحاكم على ثورتنا، وكله بدعوى الاستقرار.

الأبيات الشعرية للشاعر الفلسطينى: محمود درويش من قصيدته "خطب الديكتاتور الموزونة".

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة