نعم لإغلاق مركز النديم.. التعذيب هو الحل !

AP
طبيب مصري يتظاهر احتجاجا على تجاوزات الشرطة بحق زملائه


لم نعد نتعجب من الأشياء العجيبة، لذا يطلق على بلادنا "بلاد العجايب"، نتعجب من الأشياء العادية التي لا تدعو للتعجب أبدًا، فمثلًا نتعجب أن فنانًا يمشي مثل الناس عادي، ولا نتعجب عندما يمشي على رقاب الناس، نتعجب لو رأينا رئيس الدولة يركب دراجة، ولا نتعجب عندما يركب المواطنين.

في بلادنا لا داعي للتعجب من إغلاق مركز النديم الذي يعمل على تأهيل ضحايا وتشميعه بالشمع الأحمر، فلم التعجب وقد شمّعوا بنفس الشمع مكتبات الكرامة المعنية بتثقيف الفقراء؟


لماذا تشعر بالمفاجأة في كل مرة يحدث فيها شئ عجيب؟! هكذا سألت نفسي عندما أغلقت السلطة مركزًا يعالج ضحايا التعذيب.


لماذا تشعر بالمفاجأة في كل مرة يحدث فيها شئ عجيب؟!
هكذا سألت نفسي عندما أغلقت السلطة (سلطة الحكم، لا الخضار) مركزًا يعالج ضحايا التعذيب، ويدعو للتوقف عن التعذيب، ويرصد أرقام التعذيب منذ العهد المباركي الذي لم ينته بعد. وقلت لنفسي أن علي أن أتعجب فقط من كوني ما زلت أتعجب!

إن رجلًا حلم بأن يصير بلطجيًا يخشاه الجميع، فتوة يمشي بين الناس فاردًا عضلاته وخرطوشه وغازه المسيل للدموع أو المسيل للتخلف، يحصل على رشوة من هذا ويتوسط من أجل ذلك، يعذب من يشاء ويسحل من يشاء؛ عندما تتحقق أحلامه بفضل أقاربه ويلتحق بوزارة الداخلية لا بد بالتأكيد أن يفعل كل ما في وسعه لإغلاق مركز النديم الذي يعالج ضحاياه. ليس من العقل أن يشاهد مجهوده في التعذيب يضيع هَبَاءً مَنْثُورًا، بسبب مركز تقوده مجموعة من المناضلات.

التعذيب لدى الدولة إدمان، ولعلك عندما تقرأ بعض الأخبار عن التعذيب ستدرك هذا؛ هل قرأت مثلًا ما نشرته منظمة "العفو الدولية" عن طفل يدعى "مازن محمد عبد الله" يبلغ من العمر 14 عامًا، تعرض للاغتصاب والتعذيب والصعق بالكهرباء في أعضائه التناسلية، وإدخال عصا في مؤخرته، في قسم شرطة، لإجباره على الاعتراف بالتظاهر بدون تصريح والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.

وهل ما زلت تذكر أو سمعت سابقًا عن جريمة التعذيب التي وقعت في عام 2006 للسائق"عماد الكبير" التي لن يمحوها التاريخ أبدًا؛ فالسائق قد أُغتصب في قسم شرطة بولاق الدكرور، حتى أن جريدة معروفة بـ التطبيل للنظام قد كتبت صراحة عن القضية؛ ومما قالته "بعد تفشي ظاهرة جرائم تعذيب المواطنين من قبل رجال الشرطة داخل الأقسام سادت حالة من فقدان الثقة بين المواطنين ووزارة الداخلية، وتعددت الأحكام التى صدرت بحق رجال الشرطة فى مثل هذه القضايا، وأشهرها قضية سائق الميكروباص عماد الكبير، التي تعود وقائعها إلى 20 يناير 2006، والتى سجن على إثرها الضابط إسلام نبيه وأنهى مدة عقوبته منذ ما يقرب من شهر، ليعود السؤال مجدداً هل ينتقم الضابط المفرج عنه من عماد الكبير؟"

لدي أرشيف صغير عن أخبار التعذيب، سأطلعك على أقل 1% منه كيف تحاول مثلي ألا تتعجب من العجائب مرة ثانية وأن تدرك أن التعذيب إدمان لن تتخلى عنه السلطات (المصرية لا الخضراء) برضاها أبدًا.

* قام ضابط شرطة بقسم المنصورة بإجبار مواطن على تقبيل حذاءه وإدخال العصا في مؤخرته بعدما ربطه من قدميه وأمر أمين الشرطة "محمد فرج" بتصويره عاريًا (2007).

* قال الطفل "عنتر محمد أبو زيد" أن رئيس المباحث محمد مصطفى الضبش. ومخبرًا يدعى منصور و2 من أمناء الشرطة قاموا بضربه وتجريده من ملابسه وهتك عرضه ومنع الطعام عنه لمدة يومين وقاموا بصعقه بالكهرباء لمدة 6 ساعات متواصلة بعد إلقاء الماء على جسده (2007).

* ضابط بقسم أول المنصورة يضع سيخ حديد في مؤخرة مواطن يدعى "عادل عبد السميع" (2008).

* ضباط شرطة بمديرية أمن كفر الشيخ يجبرون 5 متهمين على ممارسة الشذوذ، حيث وردت للنيابة شكاوى من 5 مراهقين اتهموا فيها كل من الملازمين سعد أحمد سعد وفؤاد محمود سعداوي بالتعدي عليهم وهتك عرضهم (2008).

* ذكرت صحيفة "الجارديان" أن ضباط شرطة قسم ثان مدينة نصر هتكوا عرض الطالب الأزهر "عمر الشويخ" البالغ من العمر 19 عامًا، بعد إلقاء القبض عليه في 24 مارس (2014).

* أمين شرطة يغتصب فتاة معاقة ذهنيًا داخل قسم إمبابة.. الجرائد المصرية (2014).

* تقدمت المواطنة "حورية حسن المتولي" ببلاغ لنيابة رأس البر حمل رقم 1396 لسنة 2014 تتهم فيه أمناء قسم شرطة رأس البر واقتيادها إلى القسم ومحاولة اغتصابها لولا أن حال العذر الشرعي دون ذلك.. مصر العربية (2014).

* خصم شهر من راتب ضابط وضع العصا الكهربائية في مؤخرة متهم، يذكر أن الضابط خصم من راتبه شهرين بسبب تلفيقه قضية آداب لسيدة.. اليوم السابع (2015).

* إخلاء سبيل ضابط الأميرية المتهم في تعذيب «مجدي مكين» الذي تم تعذيبه حتى الموت وأفادت أسرته في تصريحات صحفية أنه ضباط الشرطة وضعوه على فحم وسحلوه بدون ملابس (2017)

* نشر مركز النديم تقريرًا عن فترة حكم السيسي من 2014 حتى 2016 ذكر فيه أن 1083 شخصاً قد قتلوا على يد رجال الأمن خلال العامين، وأن 239 شخصاً توفوا في أماكن الإحتجاز، وبلغت حالات من قتلوا نتيجة التعذيب أثناء الاحتجاز، أرقامًا مخيفة وصلت إلى 915 شخصًا. ناهيك عن أرشيف التقارير الهامة التي أصدرها المركز منذ نشأته في عام في 1993؛ والتي إذا اطلعت عليها لوليت من بلدنا فرارًا ولملئت من وزاة الداخلية رعبًا.

حتى لا تتمادى في تعجبك مثلي من إغلاق مركز يناهض التعذيب ويعالج ضحاياه؛ دعني أخبرك أو أذكرك بما حدث مع المحامي الحقوقي نجاد البرعي و القاضيين عاصم عبد الجبار وهشام رؤوف، فقد تقدموا بمشروع لمكافحة التعذيب بمشاركة خبراء قانونيين ومستشارين، وبعد أن أرسلوا نص مشروع القانون إلى وزارات الدولة المعنية، ومنها  وزارة العدل، فضلاً عن إرساله لرئاسة الجمهورية، للنظر في إصداره، فوجئوا بمحاكمتهم جميعًا، كما تعرض المحامي نجاد البرعي لتضييقات أمنية آخرها منعه من السفر خارج البلاد في يناير 2017.

بالمناسبة النيابة لم تبال بشأن من تعذبوا ولم تجري تحقيقًا سريعًا في مجموعة بلاغات تقدمت بها المجموعة المتحدة خلال عام ونصف وصلت حوالي 163 بلاغًا حول 465 حالة تعذيب داخل أماكن الاحتجاز، ولم تتعامل مع البلاغات بنفس السرعة التي تعاملت فيها مع من قدموا مشروع مكافحة التعذيب.

وكي تتوقف عن تعجبك وأحاول معك التوقف بشكل نهائي  عن التعجب من أي شئ عجيب قد يحدث في هذا البلد، فإليك بعض ما يقدمه مركز النديم الذي شمعته (السلطة) المصرية:

- يقدم خدمات تأهيل نفسي لضحايا التعذيب من دون مقابل.

- يقدم دعم قانوني لمن لا سند لهم.

- يوفر أخصائيين نفسيين وتحاليل وفحوصات خارج المركز حال عدم توافرها في الداخل.

- يناضل من أجل الحصول على حقوق من تم تعذيبهم برفع قضايا تعويض.

- رغم أنه مركز مصري إلا أنه ساعد في تأسيس المجموعة السودانية المناهضة للتعذيب.

- يناضل في التصدى للعنف ضد المرأة؛ وقدم دعم نفسي واجتماعي لمئات السيدات ممن تعرضن للتعذيب أو العنف المنزلي أو الاغتصاب؛ مصريات وغير مصريات.


نعم لإغلاق مركز النديم وتشميعه بالشمع الأحمر حتى لا يضيع مجهود الشرطة في التعذيب هباءً منثورًا !


- يساعد في التدريب على التأهيل النفسي لضحايا التعذيب والاغتصاب، لنشر التوعية.

- يعد المركز ذراع إعلامي للضحايا، فينشر شهادات من تعرضوا للتعذيب لا سيما إن لم تجد هذه الرسائل مكانًا لنشرها في الصحافة.

- نشرت مناضلات مركز النديم بعد تشميعه أرقام هواتفهن على وسائل التواصل الاجتماعي ليتواصل الناجين والناجيات من التعذيب أو العنف أو أهالي المختفين قسريًا معهن  وهن "دكتورة منى حامد، دكتورة رغدة سليط، دكتورة عايدة سيف الدولة، دكتورة سوزان فياض، دكتورة ماجدة عدلي".

نعم لإغلاق مركز النديم وتشميعه بالشمع الأحمر حتى لا يضيع مجهود الشرطة في التعذيب هباءً منثورًا.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة