سوشيال ميديا |
ظلت الأمور كما هي، نحن في واد وحكامنا في واد لا وجود له على كوكب الأرض، فأخبرنا السيسي في لقائه الشهري بشباب الأمن أن البلاد تتحرك بفاعلية منذ عام 2014، وأنها تقدم خدمة للناس ولا تحصل على مقابل.
فعالية الرجوع إلى الخلف يقصد؟ أم الإنزلاق إلى القاع؟ فالبلاد لا تتحرك بفعالية اللهم إلا في سياسات رفع الدعم عن الخدمات الأساسية من كهرباء و مياه و غاز، وتقليل عدد المستفيدين من بطاقات التموين التي كانت متنفسًا لحياة الفقراء. تتحرك البلاد بفعالية مبهرة في ارتفاع الأسعار، وارتفاع سعر الدولار، أو بمعنى أدق "انخفاض سعر الجنيه" فالدولار لم يرتفع سعره!
تتحرك البلاد بفعالية غير محدودة في عدم تقدير المرضى من الفقراء ولا تتردد الدولة في رفع أسعار الدواء حتى أننا صرنا نسمع خبر ارتفاع أسعار الدواء في نشرات الأخبار كشئ أساسي إن غاب عن النشرة تصبح مخلة! فالدولة تعلن للفقراء أنه لا علاج من دون أموال، ولا أموال من دون عمل، ولا عمل لدينا لمن هم مثلكم، فلا سبيل لكم سوى الموت.
تتحرك البلد في فعالية الاقتراض من صندوق النقد الدولي بشروط مجحفة، لتزداد الديون الخارجية على جيلنا وعلى أجيال قادمة. تتحرك البلاد سريعًا نحو بيع أراضي الوطن مقابلة بضعة ريالات سعودية وعلاقات وهمية، ومحافظة على كرسي سيسقط لا محالة. تتحرك البلاد بفعالية ملحوظة اللهم لا حسد، فقد حصلت على المرتبة 142 عالميا من بين 144 دولة كأكثر الدول عجزا في الموازنة العامة للدولة؛ وجاءت مصر في المركز 130 في قائمة أكثر الحكومات تبذيرًا، والمرتبة 121 في جودة خدمات الشبكات الكهربائية، واحتلت الترتيب 140 من بين 144 دولة في مؤشر كفاءة سوق العمل لعام 2014 - 2015، والترتيب 118 في مؤشر كفاءة سوق السلع.
نحن فقراء قوي لأن من يحكمونا لا يعرفون شئ عن مقاليد الحكم قوي!
وعن خدمة الناس، فلا أدري إن كان يقصد إلغاء دعم القمح الذي قررته حكومته لتترك الفلاح لسوق عالمية لا ترحم، أم إلغاء الدعم بشكل عام؟!
***
"ليست لدينا أي حدود لمواجهة الفساد".
هكذا قال عبد الفتاح السيسي، ونسي أو تناسى أنه أصدر قانونا خاصًا كي تستطيع عزل المستشار هشام جنينة من منصبه، وهو تشريع مشكوك في دستوريته، كما أصدر السيسي قرارًا بنفسه في مارس 2016 بعزل المستشار هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات، بسبب تقريره عن فساد في مصر تجاوز مبلغ 600 مليار جنيه، وتأكيدًا لمحاربة من يحارب الفساد أيدت محكمة مصرية في ديسمبر 2016 حبس هشام جنينة، سنة مع إيقاف التنفيذ، وغرامة قدرها 20 ألف جنيه، ليس لأنه فاسد ولكن لأنه كشف الفساد!
***
ولأن الحكومة لم تتسبب في أي أزمات اقتصادية، فالشعب هو السبب في كل شئ، لذا يقول السيسي "زيادة معدلات النمو السكاني تمثل إحدى العقبات أمام التنمية الاقتصادية".
لو أننا نظرنا إلى الصين التي تجاوز عدد سكانها 1٫357 مليار في عام 2013، لوجدنا أنها تعد أقوى الدول اقتصاديًا، وأنها تخطط للوصول إلى بناء 50 ألف ناطحة سحاب في 2025؛ كما أنها تمتلك ثاني أقوى اقتصاد في العالم؛ وتخطت قوتها الإقتصادية ألمانيا وبريطانيا وفرنسا (معًا) كما أنها الدولة التجارية الأولى في العالم؛ وصناعيًا فقد أنتجت على سبيل المثال كميات من الأسمنت (في عامين فقط)، تعادل ما أنتجته الولايات المتحدة خلال القرن العشرين.
أما الهند فوصل عدد سكانها 1,252 مليارات (2013) وسياسات الحكومة الاقتصادية استغلت هذه الطاقة البشرية الجبارة فأصبحت سادس أقوى اقتصاد في العالم، بناتج قومي إجمالي تجاوز الـ 5 تريليون دولار عام 2013، كما تجاوز معدل دخل الفرد في الهند 4,200 دولار، وحققت نموًا اقتصاديًا في عام 2016 بنسبة 7.9% بسبب اهتمام الهند بالإنتاج الدوائي، وصولًا إلى صناعات التعدين وتكنولوجيا الفضاء، وهو ما قاد إلى تحقيق هذه الثورة الاقتصادية.
ولعل اقتصاد الهند والصين، رغم أنهما أكثر الدول من حيث الكثافة السكانية، يعد إماتة لأسطورة أن شعب مصر هو السبب في الأزمة، ويرجح بقوة أن سياسات النظام هي السبب الأول والأكبر في ذلك.
***
في محاولات أخرى لإبعاد تهمة الفشل عن نظامه فيقول "الحكومة تتحرك بخطة طموحة لكن موارد مصر قليلة".
والحقيقة أن موارد مصر منهوبة وليست قليلة، فنحن نمتلك أكبر مخزون من الرخام والجرانيت على مستوى العالم؛ وفق دراسة أعدها مركز المعلومات واتخاذ القرار فى مصر التابع لمجلس الوزراء، ولدينا احتياطيات من خام الحديد في أسوان والواحات البحرية والصحراء الشرقية، ومناجم من الذهب، ومخزون من خام الفوسفات، وخام المنجنيز، ورمال بيضاء تدخل فى صناعة الزجاج وشرائح الاجهزه الكهربيه والأسمنت، ومئات الملايين من أطنان الرمال السوداء التى تدخل فى صناعة السيراميك؛ ولدينا كميات ضخمة من التلك والكبريت والكوارتز و الألاباستر والحجر الجيري. ولدينا بترول وغاز، فوفقًا لتقرير أعدته هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية حول الكميات التى يمكن استخراج البترول والغاز منها على مستوى العالم فقد تأكد أن حوض دلتا نهر النيل والضهير البحرى له من البحر المتوسط بهما أكبر التقديرات على مستوى العالم، وقد وجهت هذه الهيئة دعوة إلى الحكومة المصرية للاحتفاظ بنسبة 110٪ من إجمالى احتياجاتها الخاصة من استهلاك السوق المحلية من النفط والغاز، لتغطية العجز الحالي من النفط والغاز، ويمكنها بعد ذلك تصدير باقى الكميات المستخرجة للسوق العالمية!
***
في العام الماضي كان السيسي غاضبًا "بيعايرونا بفقرنا، لكن أنا مش هسكت"، هكذا قال حينها؛ لكنه الآن يقول ما كان يغضبه: "محدش قال لك إن إنت فقير أوي، لأ يا ريت حد يقول لك إن احنا فقرا أوي، فقرا أوي".
ولا بد أن يقول أحد للسيسي أن هناك فرق بين كوننا فقراء قوي، أو تم إفقارنا وسرقة مواردنا قوي.
فماذا استفاد الفقراء من صفقة الـ24 طائرة رافال فرنسية بقيمة 5.2 مليارات يورو في ظل أزمة اقتصادية طاحنة؟! هل قضينا بهم على الإرهاب بهم؟
وبما أننا (فقراء قوي) فكيف تم توفير 22 مليون جنيه لشراء 3 سيارات جديدة، بقيمة 18 مليون جنيه، ودفع مقدمات لـ 17 سيارة أخرى بينها 2 ميكروباص بقيمة 4 ملايين جنيه لأعضاء البرلمان؟
وما هي دواعي تحميل موازنة المجلس بهذا العبء الإضافي والذي يستفيد منه 3 أعضاء فقط بالمجلس وبتكلفة 6 مليون جنيه للسيارة الواحدة في ظل وجود عدد كبير من السيارات التي تم شراؤها سابقًا؟
بما أننا فقراء قوي، فكيف وصلت نفقات البرلمان لعام 2016 ؛ 770 مليونا منها 135 مليونا للرعاية الصحية فقط؟ وما هي أنواع الرعاية الصحية التي تكلفت كل هذه الملايين في عام واحد؟!
نحن فقراء قوي لأن من يحكمونا لا يعرفون شئ عن مقاليد الحكم قوي، فكيف تراجعت إيرادات قناة السويس لأول مرة منذ 5 سنوات بشكل تدريجي حتى وصلت إلى أكبر نسبة انخفاض خلال عام 2016 بنحو 3.2%.
ولماذا ونحن فقراء قوي؛ لم ندرس جيدًا إرهاصات إنجاز التفريعة في عام واحد بدلًا من ثلاثة، وماذا عاد على الفقراء سوى القضاء على احتياطي الدولار؟!
ثم كيف نحتفل بتفريعة بمبلغ قد وصل نحو 30 مليون دولار حسب الإعلامية إنجي أنورالمحسوبة على النظام الحالي؟
وماذا يستفيد الفقراء قوي من مشروع العاصمة الإدارية التي تبلغ مساحتها 700 كيلومتر مربع سوى، بتكلفة 45 مليار دولار؟!
وكيف يمكن للفقراء قوي أن يتخلوا عن شركة حكومية ناجحة بطرحها للبيع، كشركة إنبي إحدى الشركات المهمة المملوكة للدولة، والتي بلغ إجمالي إيراداتها عام 2014 حوالي 5,2 مليار جنيه، وارتفعت أرباحها بنسبة 19 في المائة خلال عام 2015؟
بما أننا فقراء قوي، فكيف وصلت نفقات البرلمان لعام 2016 ؛ 770 مليونا منها 135 مليونا للرعاية الصحية فقط؟ وما هي أنواع الرعاية الصحية التي تكلفت كل هذه الملايين في عام واحد؟!
وهل أفقرنا قوي سوى تراجع الجنيه وتحرير سعر الصرف ووصول الدولار نحو 19 جنيها والحكومة تكتفي بمنافسة السوق السوداء؟
بمناسبة الفقر القوي، فقد نشرت جريدة الأهرام الرسمية في 3 سبتمبر 2011 تحقيقَا عنوانه "فيضان الذهب في منجم السكري" يفيد بأن منجم السكري من أكبر عشرة مناجم على مستوى العالم والثاني على العالم من حيث الاحتياطي، ونقلت الجريدة عن الدكتور عادل محمد علي جيولوجي وممثل هيئة الثروة المعدنية؛ أنه يوجد في مصر أكثر من 100 منجم ذهب.
وأخيرًا، وبعد كل هذا الفقر أو الإفقار المتعمد: يعمل ايه ركوب الحنطور في وطن ضايع؟!
لقراءة الجزء الأول من المقال..