لقطة من فيلم (أرض النفاق) |
"إذا لم تكن واعيًا
فإن الجرائد وسائر وسائل الإعلام ستجعلك تكره المُضطهَدين وتحب الذين يمارسون
الإضطهاد.. وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض؛ لديهم القدرة على جعل
المذنب بريء وجعل الأبرياء مذنبين؛ وهذه هي السُّلطة الحقيقية لأنها تتحكم في عقول
الجماهير". مالكوم إكس
***
كتبت سابقًا: "إذا كنت سياسيًا بارزًا، درست
الإقتصاد والعلوم السياسية، وتعمل بمجال الصحافة والإعلام، وتكتب مقالات بشكل
يومي، ولا تجد إنجازًا واحدًا للنظام يمكنك الكتابة عنه، فعليك أن تبتعد عن
الكتابة فى السياسة حينًا وتعود إليها حينًا آخر، حتى تبتكر في فن التطبيل، وحتى لا
يفهمك سيادة الرئيس خطأ، مثلما يفعل معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية
بجامعة القاهرة، الذى أدهشنا بمقالاته الأخيرة الجريئة. الذي صار معارضًا شرسًا كما وصف نفسه، فقد اعترض بشدة على سياسات الحكومة وكتب
مقالًا جريئًا بعنوان "كتالوج الستات ومعاملة البنات" نقله بالكامل عن
صديقته الفيسبوكية؛ ولم تتوقف شجاعته في النقد عند هذا الحد، بل فاجأنا بجزء ثاني
للمقال بعنوان "الكتالوج العصري للراجل المصري". (وهذه خطة ذكية؛ أن تكتب
أي شئ عندما لا تجد ما تكتبه، وستحصل على أجرك كاملًا).
تلك هي حرية الصحافة التي
يريدها النظام الحالي، أما من حاول نقل الحقيقة أو توثيق جرائم النظام بالفيديو أو
الصورة أو الكلمة؛ فمصيره السجن".
***
لو أن أستاذ التبرير
استمر في كتاباته عن معاملة الستات والبنات وكتالوج الرجل المصري، لاعتبرته
أسلوبًا من أساليب الهلس المفيد لحالات الملل، ولو أنه كان يقدم برنامجًا عن الحب
في زمن البتنجان لما أعطيته أهمية.
لكن صاحبنا الذي كاد أن
يقنع الناس في فترة حكم الإخوان أنه يحب الإخوان لمواقفه الغريبة حينها في تأييدهم
حينها والذي قال: :يقولون أني إخوان، أنه شرف لم أناله" ثم تحول بنسبة 180
درجة. ليس متخصص هلس، إنه رجل اقتصاد وعلوم سياسية يظهر في التليفزيون 5 مرات في
الأسبوع، ويكتب يوميًا لمن ما زالوا يعتمدون على الجرائد الورقية.
أشهد للرجل بأن لديه
القدرة على جعل المذنب بريء والبرئ مذنب، كما قال مالكوم اكس.
***
فتحت التليفزيون لأتابع
ما جرى من تطورات في قضية غرقى رشيد الذين قرروا الهروب من الموت إلى الموت، فأول
ما رأيت كان وجه الرجل وهو معترض، تعجبت من كونه معترضًا، فآخر مرة رأيته يعترض
كانت تقريبًا من 3 سنوات، لكن خاب أملي، لم تمر دقيقة حتى خاب أملي فأنه كان يعترض
على أن هناك أناسًا معهم من الأموال ما يكفي لعمل مشروع ففكروا في الهروب، فقال "أن مستوى الفقر يكون عند دخل أقل من
1200 جنيه لأسرة مكونة من 4 أفراد، فلماذا يفعلون هذا؟" كان يطالب بمحاسبة السماسرة، لا محاسبة الحكومة، ينتقد
المجتمع ولا ينتقد النظام الذي أضاع المجتمع والذي لا يهمه أن يضيع الوطن مقابل أن
يظل النظام حاكما؛ فقال: "المجتمع المصري يعانى حالة من التبلد".
لم يستمع الرجل إلى
شهادات الأهالي، وأسباب محاولات هجرتهم، وتعنت حرس الحدود في انقاذ الضحايا، ولكنه
استمع فقط إلى الحكومة التي لم تجد حرجًا في أن تلوم الضحايا.
وفي نهاية الامر توصل إلى
تبرير عبقري يظهر مدى قدرته على تغييب الوعي فقال: "أن السبب في ما حدث من
غرق المئات هي الزيادة السكانية وتدني التعليم" ومن الجاني يا سيد معتز؟ "للأسف
اللي مجني عليه والجاني كلهم شباب". فالغريق جاني ومجني عليه في
نظره ويجب أن يحاكم.
***
بعد زيارة سامح شكري وزير
الخارجية للكيان الصهيوني ومشاهدته مباراة ريال مدريد مع نتنياهو وكأنهم أصدقاء
الطفولة، كانت هناك حالة غضب صامتة بين الناس، والغضب حتى لو كان صامتًا خطر على
الأنظمة؛ فجاء دور أستاذ التبرير والعلوم التطبيلية، ليدافع عن الزيارة الكارثية
قائلاً: "لماذا تغضبون على الفاضي والمليان؟ النبي صلى الله عليه وسلم كان
يرسل أشخاص لمعرفة أفكار العدو وخططهم وعقد مصالحات مع الأعداء". فالدين لديه
يتدخل في السياسة أحيانًا.
وقال جينها من ينتقد
زيارة "شكري" إلى إسرائيل، هم أنفسهم من انتقدوا زيارة الرئيس الراحل
أنور السادات إلى إسرائيل" وكأن الاعتراض على ما فعله السادات سُبّة، وكأن
المعترض على زيارة إسرائيل هو الخائن.
فصاحبنا لديه القدرة على
جعل الحق باطل والباطل حق.
بعد فترة قصيرة ظهر وزير الخارجية في جنازة السفاح الصهيوني ومجرم
الحرب شيمون أحد أبرز المخططين للعدوان الثلاثي على مصر، فما كان من صاحبنا إلا أن
قال: "المهم أن الرئيس السيسي
لم يذهب" وكأن سامح شكري وزير خارجية كوكب المريخ.
***
بعد قيام ثورة 25 يناير
كان الرجل يقيم ندواته هنا وهناك ليظهر على أنه أحد المشاركين في الثورة، وأنه أحد
مؤيديها، لكن سرعان ما انقلب على شباب الثورة وعلى الثورة تدريجيًا فبدأ بتشويه
الشباب المشاركين فيها من دون أن يخصها، وقال "نجحت ثورة 25 يناير في إظهار
فشل الثوار وأنَّهم غير مؤتمنين على البلاد"، بعد أن كان هذا الشباب يضحي
بحياته من أجل أن يحيا الوطن وكده.
ثم تطورت الأمور فيما بعد
بتصريحه: «30 يونيو» اكتسحت «25 يناير» في الانتخابات. مشيرًا إلى انتخابات الرئاسة
بين حمدين صباحي وعبد الفتاح السيسي.
وفي ديسمبر الماضي ظهر بمظهر العبقري النادم
الذي اكتشف سرًا خطير ليلقيه على الناس، فقال أن "ثورة 25 يناير ما كان يجب
أن تكون، لأنها قامت من أجل هدف خاطئ في الأصل".
تلك الثورة التي سقط فيها مئات من أجل العيش
والحرية والعدالة الاجتماعية صارت الآن خطيئة ما كان يجب القيام بها،
فالأندال دائمًا يطعنون
في الضعيف ويطبلون للقوي والمنتصر، والثورة الآن ضعيفة والنظام العسكري يحاصرها
بالسلاح.
***
لا داعي للديمقراطية..
وعلينا تطبيق الديمقراطية.. الاتنين؟!
صاحبنا الذي صرح مؤخرا
أن مصر تحتاج إلى ديكتاتور مستنير، مشيرًا إلى عبد الفتاح السيسي، لا بد أن ذاكرته
ليست قوية لتلك الدرجة التي تجعله يتذكر مقاله في عام 2012، فتسائل حينها: "هل
الديمقراطية لا تصلح لمجتمعاتنا العربية؟ الإجابة المريحة، لا تصلح. لكن الإجابة
الصحيحة هي أنها تصلح إذا ما ارتبطت هذه الديمقراطية بهندسة مؤسسية ودستورية
تستوعب طبيعة هذه المجتمعات"، فالهندسة المؤسسية والدستورية حينها كانت عليها
أن تستوعب الشعب، أما الآن فالرجل لا يجد حرجًا من أن يسب الشعب ويتهم أسوء
الاتهامات.
كما أنه كتب في مقال آخر
بعنوان، لن يسامحنا أبنائنا: " أسوأ ما تفعله النخبة السياسية الحالية أنها
تعطى كل المبررات الممكنة لمن يعتبرون أن الثورة غلطة وأن الديمقراطية رفاهية نحن
غير قادرين عليها."
وفي رأيه قديمًا عن حكم الدين أو الجيش والإنقلابات
قال: " لا نريد «كاهنوت» النظام السياسي الإيرانى، ولا «عسكرتارية» النظام
السياسي الباكستانى، ولا «استعدائية» التجربة الحمساوية فى غزة، ولا «انقلابية»
التجربة الجزائرية.
حتى أن موقفه من
الحكم العسكري كان واضحًا عندما وجد الحل في أن يصير جمال مبارك رئيسًا لمصر حتى
يرحل الحكم العسكري. في مقالة كتبها عام2009بعنوان
جمال
مبارك رئيسًا لمصر: هل يريد؟ هل يستطيع؟ هل يصلح؟
***
ارحل يا شعب
هو لا يجد حرجًا في أن يتهم
الشعب بأنه السبب في كل الكوارث والإخفاقات، ولا يجد داع لانتقاد الحكومة؛ فقال:
"لو المصريين ذهبوا اليابان سيتوقف تقدمها وتبدأ في الانهيار، وأن جوهر
الأزمة في مصر هو الإنسان، والمصريين غير مؤهلين لصناعة النهضة، لكنهم مؤهلون
للاستفادة من مظاهرها فقط".
لم يتطرق الرجل للمستفيدين
من الشعب من رجالات العسكر والقضاء والإعلام وغيرهم، لكنه يلوم الضحية على أنها
ضحية.
وبما أني واحد من هذا
الشعب الذي يتحدث عنه فأريد أن أطرح عليه فكرة، لماذا لا تنصح نظام السيسي بالبحث
عن شعب آخر يحكمه طالما أننا السبب في الجهل والفساد وسوء الصحة والفقر؟!
***
هذا الرجل البارع لم يجد
حرجًا من أن يشكر في اختراع "الوحش المصري" فيقول "أول ما سمعت عن
الاختراع قولت لنفسي أكيد أنت بتمشي وأنت نايم، لكني فوجئت أن الأمر حقيقي ومش
بحلم".
هذا الوحش المصري الذي أضحك العالم علينا مثلما
ضحك على جهاز الكفتة سابقًا. فعندما يجد الرجل العادي أن أستاذ اقتصاد وعلوم
سياسية، يصدق هذه السخافات فعليه أن يصدق هو الآخر، وسيظل يصدق أن هذا المشروع قد
تم تنفيذه لأنه لن يجد خبرًا في المستقبل عن اخفاق وفشل الوحش المصري أو جهاز
الكفتة.
***
أما موقفه من قضية تيران
وصنافير وبيعها للسعودية فهو لم يرى أن من دفعوا ثمن الدفاع عن الأرض من حريتهم
يناضلون من اجل مصرية الأرض، لكنه رآها تصفية لحسابات شخصية، واعتبرها مهاترات
وحذر من التمسك بمصرية الجزيرتين فقال "لو تمسكنا بتيران وصنافير هندخل في
مواجهة مع الخليج، وماذا بعد ما نأخذ الجزيرتين هنكسب ايه؟"
فلا داعي لأن ندخل في
مواجهة مع الخليج وعلينا أن نتنازل عن الأرض التي سالت من أجلها دماء.
***
إن تغييب الوعي في مجتمع 23.7% ممن تخطى عمره 15
سنة يعاني الأمية، عن طريق وسائل الإعلام ومنع أشخاص بعينهم من الظهور
اعلاميا ربما يكونوا مؤثرين في الرأي العام، هو أمر مهم بالنسبة للنظام
الديكتاتورية، حتى تستطيع السيطرة على الناس؛ حتى أن معتز عبد الفتاح نفسه يتفق
معي في هذا فكتب فيما كتبه قديمًا: "الإعلام سلاح خطير بالذات فى المجتمعات
التى ترتفع فيها نسبة الأمية. وكما أن الحرب العسكرية لها أدوات مثل الدبابات
والصواريخ والقاذفات والمقاتلات؛ فإن حروب الإعلام لها أدواتها؛ المصريون ضحايا
أسلحة الحرب الأهلية الإعلامية"
ومعتز عبد الفتاح هو جزء
أصيل الآن من تلك الحرب بين الديكتاتورية والحرية.
حرروا عقولكم
من أساتذة التبرير والعلوم التطبيلية كي تحرورا الوطن من الظلم والفساد والجهل
والفقر