كاريكاتير "دعاء العدل" المصري اليوم |
كنت قد بدأت الغضب من النظام الحالي، لأننا لم نتفق على ذلك، لم نتفق أن يتجاهلني بهذا الشكل، وألّا أظهر في وسائل الإعلام وبرامج التوك شو، وألّا أحصل على أي منصب حتى الآن. غضبت لشعور بأنني تخليت عن مبادئي مقابل لا شئ، وأن الرئيس تجاهلني حتى أنني صرت أشعر بالوحدة.
وصل غضبي أنني يومًا كتبت على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن الأمور في مصر باتت أسوأ، ظن البعض أنني سأنتقد الرئيس، لكني فاجئتهم جميعًا عندما قلت أن "المشكلة ليست في الرئيس؛ المشكلة في اللي حواليه".
ولكن زال غضبي وشكرت في الحكومة فورًاعندما جائتني دعوة للمشاركة في مؤتمر الشباب. إن الحكومة صالحة لأنها ترى أنني أستحق المشاركة في مؤتمر دعا له الرئيس؛ وفاسدة لو تجاهلتني. ولأن الحكومة اعتبرتني مؤهلًا لحضور المؤتمر فإنها تستحق تعريضًا قويًا، وكم عرّضت كثيرًا سمعتي للخطر، بسبب مواقفي الغريبة التي تُشعر القارئ بأن الحكومة تمسك عليّ ذلة. ولكني لا أبالي.
يقولون أن المبادئ لا تتجزأ، ولكني اكتشفت بعد فترة طويلة من محاولة الوصول إلى أي منصب، ومحاولة إرضاء الحكام، بعدما كنت شرسًا على حكومة مرسي ونظامه، أن المبادئ يمكنها أن تتجزء إلى 125 جزء وربما أكثر.
أعلم جيدًا أن الشباب قد فاض به الكيل، ولكني سأتجاهل كل شئ، من أجل عيون الحكومة وعيون الرئيس، ومن أجل أن يرضى عني الأمن ويعتبرني مؤهلًا للمناصب.
سأتجاهل في المؤتمر أن أتحدث عن السلبيات، إن سمحوا لي بالحديث أصلًا. سأمسك لساني وسأظل أنافق حتى لا يغضبون مني.
سأتجاهل أن هناك 750 ألف شاب مصري قدموا على طلبات الهجرة لأمريكا وفقدوا الأمل في البلد، وفي حكومته، وللأسف في شعبه. رغم أن أمريكا لا تقبل سوى بعدد 3500 مصري للهجرة.
لن أقول أبدًا أن هناك توقعات بأن تتخطى أعداد من يريدون الهجرة في المرة القادمة نحو مليون ونصف، ورغم أني أعلم جيدًا أن هؤلاء يتعلقون بالأمل، والهروب من جحيم الغلاء والقهر والاستبداد،. ويحلمون بالمواطنة وبعملٍ لا ينتهي راتبه في منتصف الشهر؛ إلا أنني سأصفهم بالخونة الذين يشوهون صورة البلاد.
لن أتحدث عن أن هناك 60 ألف سجين سياسي معظمهم من الشباب، من بين 102 ألف سجين، مع أن العقل يستدعي التعجب من أننا وصلنا إلى السوء لدرجة أن أعداد المساجين السياسيين تخطت أعداد المساجين الجنائيين. ولكني سأطالب بحبس باقي الشباب حتى نستريح.
وسأثني على قرارتهم ببناء 19 سجنًا جديدًا بعد ثورة يناير، حتى تتسع للشباب الذين يعارضون النظام، وسأقول أنها أنشئت للتخفيف على المساجين ولكثافة أعدادهم.
وسأحاول أن أنسى أن سجن جمصة تكلف بنائه نحو 854 مليون جنيه، في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة. ما هذا الهراء الذي قلته، لا توجد أصلًا أزمة اقتصادية، إنها شائعات مغرضة.
لو كنت في عهد مرسي كنت سأتحدث بكل شجاعة وسأقول عن أي شباب تتحدثون؟ فالشباب المهاجرين بطريقة غير شرعية تخطوا آلاف، والسواحل المصرية تحتل المركز الثاني على مستوى إفريقيا في تصدير الهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا؛ بالإضافة إلى أن التقديرات الرسمية للسلطات الإيطالية في نوفمبر الماضي تقول أن هناك 2500 شابًا مصريًا لم يتخطى عمرهم 17 عامًا هاجروا بطريقة غير شرعية في الفترة الأخيرة، وكنت سأصرخ في وجه الجميع قائلًا: من سيحاكم على كارثة مركب رشيد التي راح ضحيتها أكثر من 164 شابًا؟". ولكني لست في عهد مرسي. على كل حال سأقول أن الإخوان هم السبب في كل الخراب.
وبمناسبة مركب رشيد، سأنسى فورًا أن قرية رشيد التي سميت الكارثة باسمها، هي قرية الطفل أحمد فؤاد مرعي، الذي عبرالبحرالمتوسط في أغسطس الماضي؛ لإيجاد فرصة علاج لشقيقه الأصغر المصاب بسرطان الدم، بعد فشل محاولات علاجه في مستشفيات بلده، واهتمت وكالات إخبارية عالمية به، وقوبل وشقيقه بترحيب من الجانب الإيطالي، ووضعوهما في مركز للاجئين، فهرب "فؤاد" من المركز للبحث عن عمل من أجل علاج شقيقه، وعندما وجدت الحكومة المصرية أنه ستحدث فضيحة في العالم، حدثت بالفعل، انتبهت للطفل وأعلنت أنها ستعالجه على نفقتها. كان هذا بعد أخبار ذكرتها تقارير صحفية تفيد بمنع أسرة الطفل من السفر خوفًا من فضيحة عالمية.
ورغم أنني لا يمكن أن أنسى تقريرًا يفيد بأن قرية رشيد يقطنها نحو 50 ألف مواطن مصري، ويعاني شبابها من الإهمال والبطالة، وتنتشر في شوارعها القمامة التي تحيط بالبيوت نظرًا لانعدام الخدمات، ويتكاثف الدخان على السكان، ومياه الشرب تختلط بالصرف الصحي، وتكثر فيها أمراض الكبد والفشل الكلوي وفيروس سي بنسبة 80% من الأهالي وأقرب مستشفى تبعد عنهم نحو 33 كيلو وهي مستشفى رشيد العام. إلا أنني لن أتحدث إلا عن المشروعات الوهمية وعن مشروع العاصمة الجديدة وأهميته، فبهذا أصل إلى ما أريد من مناصب.
قال لي أحدهم أنني لا أستحق تمثيل الشباب لأن هناك نحو 300 ألف عسكري أمن مركزي، و500 ألف عسكري في القوات المسلحة، يخدمون السلطات من أجل أن يحصلون على شهادة الجيش ويلحقوا بمن هم مثلهم من المهاجرين أو الباحثين عن وظيفة، هذا إن تخرجوا أصلًا قبل أن تخرج أرواحهم من أجسادهم، فهم يموتون على الحدود في معركة لا تنتهي بين إرهاب وإرهاب. وأن هؤلاء الجنود هم من يمثلون شباب مصر، ولكني لن ألتفت إلى هذه التعليقات السلبية.
حتى البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والتي تشير إلى أن أحوال الشباب تدهور، وأن عدد العاطلين عن العمل بلغ نحو 3.7 مليونًا وأن 63 في المائة من إجمالي المتعطلين شباب في الفئة العمرية (15 – 29 سنة)، ويمثل 67.6 في المائة من إجمالي المتعطلين من حملة المؤهلات، منهم 43.3 في المائة حاصلون على مؤهلات متوسطة وفوق المتوسطة، و24.3 في المائة من أصحاب المؤهلات الجامعية وما فوقها. لن أذكرها رغم أنها رسمية، وربما أتهمها بالخيانة لأنها تزعج الرئيس وتنشر الشائعات المغرضة، سأقول مثلًا أن رئيسها إخوان.
لقد أغلقت خاصية التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي لأن الشباب يسخرون مني، فأحدهم أطلق علي لقب "برايز" وأحدهم قال "بانجو"، ولكنهم يطاردوني في كل مكان.
أرسل لي أحدهم رسالة يقول فيها:
"إذا أراد السيسي أن يجتمع بالشباب ليحل مشاكلهم (وأشك في ذلك) فعليه ألا يجتمع بمن جلسوا على كراسي مجلس الشعب ليدافعوا عن النظام فانتفحت بطونهم من فرط الراحة، وامتزجت رائحتهم برائحة فساد النظام القمعي، فتعفنت رائحة البلاد بهم.
الشباب ليسوا فقط أبناء ضباط الأمن الوطني، وأبناء ضباط المخابرات، ممن سيحضرون المؤتمر.
وليسوا أعضاء مجلس الشعب، وليسوا أمثالك ممن أعلنوا السمع والطاعة للنظام الحالي، وممن لا تعنيهم معاناة الشعب.
ليس بالضرورة أن يكون الشباب من هؤلاء الذين أجريت عنهم تحريات الأمن الوطني وممن تم اختيارهم بعناية فائقة حتى يمر المؤتمر دون أن يعترض أحدهم، فهناك شباب في السجون، وهناك شباب في القبور، وهناك من يجلسون على المقاهي ينتظرون الأمل فلا يأتي، وهناك من ينتظرون قرعة الهجرة لأمريكا، ومن يخططون للهروب من الوطن بطريقة غير شرعية فيغرقون في البحار.
في حقيقة الأمر إن هناك شبابًا لا يملكون سعر تذكرة شرم الشيخ التي سيقام بها المؤتمر، لأن هناك أزمة اقتصادية طاحنة تضرب البلاد، لا يشعر بها هؤلاء الذين سافروا إلى شرم الشيخ.
إذا أراد السيسي أن يجتمع بالشباب فليجتمع بهم في السجون، والمقاهي، والقرى، والأحياء الشعبية"، وليس في شرم الشيخ".
ولكني سأحذف الرسالة وأسافر إلى شرم الشيخ لأُمثل الشباب، أو أُمثل عليهم!