مائدة الشهداء ومائدة الأغبياء


مصر العربية




مائدة المجد للشهداء
هى مائدة إفطار ينظمها بعض شباب الثورة فى شهر رمضان الكريم من كل عام، أغلب القائمين على تنظيمها حاليًا فى السجون، مثل: ممدوح جمال، ومحمد سامى، ومحمد كالوشا. وبعضهم فى القبور مثل: جابر صلاح، وأحمد المصرى، وهشام رزق. وجميعهم يعانون من القبضة الأمنية والتشويه الإعلامى وضعف الإمكانيات المادية التى يعانى منها أغلب الشباب.
هناك فى الشارع الذى سالَت فيه دِماء الشهداء وقُنِصت فيه أعيُن الشباب "شارع محمد محمود" تَجِد البنات يُجهّزن وجبات الإفطار، والشباب ينظمون المائدة ويستقبلون البسطاء بضحكة صافية ليس بها تكبّر، ويُطعِمون ما لا يقل عن 100 فردًا.
وبعدها ينتهى اليوم فى صمت، فالبنات يغسلن الأطباق والشباب ينظفون المكان ويحملون الترابيزات والكراسى على أكتافهم ليضعوها فى جراچ سيارات يبعد عن مكان المائدة بحوالى 400 مترًا لأن الجراچ المجاور لهم متواجد فى عمارة يسكن بها "لواء شرطة" حذّر سيادة اللواء بوّاب العمارة من أن يضع هؤلاء الشباب أى شئ يخصّهم فى الجراچ!
هل يعتقد سيادة اللواء أن شبابًا كهذا يعانى منذ 4 سنوات من قتل رفاقهم واعتقالهم وتشويههم فى وسائل الإعلام واتهامهم من كل الأنظمة بالعمالة والفوضوية ومع ذلك لم ييأسواْ سيستلمون ليأسهم لأنهم سيحملون الكراسى على أكتافهم؟!
إن من حمل الشهيد على كتفه، وامتزجت ملابسه برائحة الدماء والغاز المسيل للدموع، وامتلأ جسده بطلقات الخرطوش، لا يكترث لأن يحمل الكراسى على كتفه ويمضى بها مسافة 400 مترًا!
لم نر هؤلاء الشباب يصنعون ما صنعوا من أجل الحصول على صوتًا انتخابيًا أو تأييدًا شعبيًا. ولكنهم فعلوا ما فعلوه من أجل أن يعلم الجميع وخاصة النظام الحالى أنهم لن يتسامحوا فى دماء رفاقهم وأنهم لم ولن ينسوهم مهما تعالت أصوات أسلحة النظام ولن يهدأ لهم بال حتى تعود إليهم ثورتهم وتتحقق مطالبها.
مائدة الأغبياء
هى مائدة إفطار نظمتها الدولة بالإسكندرية يوم الجمعة 26 يوليو 2015.
نجد فيها بعض الملاحظات:
1- وجدنا أن نظامًا بأكمله، بمؤسساته الأمنية، والاقتصادية، بالإضافة إلى دعم شركات كبرى له، لم يقدر على تنظيم مائدة إفطار جماعية، فرأينا الناس يتصارعون على وجبات الإفطار، ورأينا من غضبوا من الإهانة التى شعروا بها نظرًا لأنهم لم ينجحوا فى الحصول على وجبة إفطارهم، ورأينا من يتسائل: لماذا دعونا للإفطار طالما لا يوجد طعام "عايزين ياخدوا صورتين وخلاص؟!" شاهدنا أن الناس قد استفزّهم تنظيم المائدة والمعاملة السيئة لدرجة أنهم اعتدوا على سائقى السيارات التى تحمل وجبات الإفطار التى وصلت متأخرة! وهنا يجب أن نتسائل: هل يمكن لنظام غير قادر على إدارة وتنظيم مائدة إفطار جماعى، أن يقدر على إدارة وطن؟!
2- انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى صورًا عديدة لشكل الإسكندرية بعد الانتهاء من المائدة توضّح مدى العشوائية التى خلّفتها المائدة من قاذروات وبواقى طعام، إذا ما قارنّاها بصور مائدة المجد للشهداء سيتضح لنا من هم الفوضويون؟!
3-  إنّ عمل مائدة طويلة ليس من المستحيلات، ومع هذا لم تكن تلك المائدة هى الأولى من نوعها، ففى تركيا عام 2010 قامت بلدية حي أسنلر بغرب مدينة إسطنبول بتنظيم مائدة إفطار مجانية بلغ طولها عشرة كيلومترات حضرها 70 ألف صائم، وإذا بحثنا عن هذه المائدة عبر مواقع الإنترنت لن نجد فيها مواطنا لا يجد مكانًا للجلوس، وسنلاحظ أن الناس قد وُضِع أمامهم الطعام ولا ينقصهم سوى سماع صوت آذان المغرب كى يبدأون فى تناول الإفطار.
4- حين قرر النظام المصرى، متمثلًا فى محافظ الإسكندرية، الدخول فى موسوعة جينيس للأرقام القياسية، لم يدخلها فى بناء المستشفيات، أو المدارس، أو فى بناء البيوت للفقراء والمهمشين. بل قرر النظام أن تدخل مصر موسوعة جينيس فى الفقر، فوجود موائد الرحمن فى شهر رمضان الكريم ليس إلّا مشهدًا مأساويًا يدل على انتشار الفقر!
5- وجدنا إعلاميين يهللون ويكبرون لنجاح المائدة رغم فشلها وكأننا نجحنا فى محاكمة قتلة الشهداء، ولم نجد نقدًا موضوعيًا للفكرة أو أصواتًا جريئة تقول أن الحكومة ليس دورها العمل الخيرى. نفس الإعلاميين تجاهلوا نجاح مائدة "المجد للشهداء" التى تستمر فى نجاحها بشكل يومى وحضارى وبمجهود رائع من شباب الثورة، فقط هم بارعون فى تشويه هؤلاء الشباب حينما يطالبون بالقصاص للشهداء أو الحرية لرفاقهم المعتقلين.  
6- يجب على الحكومة أن تعلم أن المواطنين لن يطيروا من الفرحة عندما تنجح فى تنظيم أكبر مائدة إفطار فى العالم، أو طهى أكبر طبق كشرى فى التاريخ، أو صناعة أكبر علَم لمصر! ولكنهم سيرضون عنكم عندما تنجحون فى تطوير المؤسسة التعليمية التى تُعلِم أولادنا الجهل. أو لاحظوا تغيّرًا فى المستشفيات الحكومية التى تتفنّن فى إماتة المرضى.
سيرضى الناس عنكم إذا شعروا أن كرامتهم غير قابلة للكسر، وإذا استطاعوا أن يتحدثوا فى أى شيء دون خوف من بطش الأجهزة الأمنية. سيرضى الناس عنكم إذا شعروا أن دمائهم ليست رخيصة وأن أعراضهم ليست مستباحة بالنسبة إليكم.


أتحدث هنا عن الناس الذين لم يُقتلْ أبنائهم فى التظاهرات المعارضة، ولم تضيع أعمار أولادهم خلف قضبان السجون. أمّا من فقدوا أولادهم ومن يقضون أجمل أيامهم فى السجون فلن يرضوا عنكم أبدًا.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة