مدد
شهد التعاون الاقتصادي بين مصر ودولة الاحتلال الصهيوني تطورات ملحوظة بعد توقيع اتفاقية السلام عام 1979، تراجع هذا التعاون بشكل تدريجي خلال فترىة حكم مبارك بما تم تصنيفه عبر كثير من المحللين بـ “التطبيع الإجباري” عدا ما شهدته اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل التي كانت أقرب للصفقة التي قادها رجل الأعمال المقرب من اسرة رئيس المهورية “حسين سالم.
عاد “التطبيع” وبقوة في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، بشكل يتناسب طردياُ ورسائل الرجل نحو إسرائيل وخطابه الشهير عن “السلام الدافىء”، فالأمر لم يعد يتعلق بمبدأية التطبيع من عدمه ولكن انتقل للتسليم ثم الانطلاق نحو تعديد مزايا هذا التعاون، وهكذا ساد منطق الصهاينة: “الاقتصاد المصري في حاجة لنا”
في اكتوبر عام 2006، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت “أن إسرائيل تستعد للقيام بسلسلة من المشروعات الاقتصادية مع مصر بعد مرور عدة أعوام على الانفصال في التعاون الاقتصادي بين البلدين، وأن مصر في حاجة لتطوير البنية التحتية في ظل أزمة اقتصادية حادة تمر بها البلاد.
كشفت الصحيفة حينها أن مصر قد أبدت اهتمامًا بعدة مشروعات مع”الاحتلال” من ضمن هذه المشروعات “مشروع تحلية مياه البحر وذلك لمواجهة المخاوف من انخفاض مستويات المياه في النيل، بعد اعتزام أثيوبيا تكملة مشروع سد النهضة، والذي قد يؤثر على حصة مصر من مياه النيل
كما يستعد الاحتلال للتعاون مع مصر ومساعدتها في مجالات الطاقة الشمسية وإنتاج الكهرباء، والزراعة والري والغاز. وفق ما ذكرته الصحيفة.
التعاون في عصر السيسي
في 2016 أشار معهد واشنطن للدراسات في تقرير حول العلاقات الاقتصادية بين مصر وإسرائيل، إلى أن البلدين يسعيان إلى تنفيذ مشاريع اقتصادية مشتركة بعد سنوات من العلاقات الباردة بينهما في هذا المجال، مستندا إلى تقرير لموقع “واينت” الإخباري.
وبين أنه “لا يزال المسؤولون يعملون على تسوية التفاصيل، إلّا أنّ هذا الخبر يعكس المرحلة الآتية لعلاقة اقتصادية شهدت تقلباتٍ ملحوظة منذ توقيع معاهدة السلام بين البلدين عام 1979. كما يسلّط الضوء على امتداد هذا التعاون الثنائي، فيما يتخطّى التحسُّن في المجال الأمني”.
مصر تصدر منتجاتها للولايات المتحدة بوساطة إسرائيل
هذا ما قالته الصفحة الرسمية “إسرائيل في مصر” ففي يوليو 2017 قالت الصفحة الرسمية أن “التعاون المشترك بين مصر وإسرائيل تعمق إلى مرحلة التسويق والبيع للخارج.
وصرح وزير الاقتصاد الإسرائيلي حينها أن “هناك تقدم ملموس في العلاقات التجارية بين الدولتين” وكتبت الصفحة الرسمية لإسرائيل في مصر هذه التصريحات في وقت كانت تعقد فيه الولايات المتحدة وتحديدا ولاية نيويورك الأمريكية معرض TEXWORLD، وهو المعرض الذي يعد واحدا من أهم المعارض العالمية. وشهدت أروقة هذا المعرض تعزيز كلا من أورشليم والقاهرة لتعاونهما الاقتصادي المشترك، وهو التعاون المتواصل منذ 12 عاما.
حيث تقوم مصر بتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة عن طريق إسرائيل. وقامت إسرائيل أخيرا بتوسيع التعاون مع مصر ومساعدتها في تسويق منتجاتها من الملابس في الولايات المتحدة، وهي المساعدة التي بدأت أولى بشائرها في المعرض.
اتفاقية كويز
وقعت مصر وإسرائيل في عام 2004 اتفاقية الكويز، ودخلت حيز التنفيذ في العام التالي، وبناء على بنودها تصدر مصر منتجاتها من الملابس والمنتجات القطنية للسوق الأمريكي بعد اعفاءها من الجمارك، وتنص الاتفاقية على السماح للمنتجات المصرية بالدخول للأسواق الأمريكية دون جمارك، شرط أن يكون المكون الإسرائيلي من المواد الخام الداخلة في صناعة هذه المنتجات 11.5%، وانخفضت النسبة إلى 10.5% في العام 2007.
وقال وزير الاقتصاد والصناعة الإسرائيلي إيلي كوهين لصحيفة “إسرائيل اليوم” حينعا: “هناك تقدم ملموس في العلاقات التجارية بين الدولتين. اتفاقية الكويز تمثل واحدة من أهم ركائز التعاون، وتمثل واحدة من أهم اتفاقيات التعاون المشترك بين الطرفين”.
وتشير بيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية المنشورة بداية عام 2017 أن حجم التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة منذ بداية 2017 حتى نهاية يوليو الماضي بنسبة 15%، ليصل إلى 3.4 مليارات دولار.
وطبقا للبيانات الرسمية المصرية ذاتها، فقد بلغ إجمالي الشركات المستفيدة من الاتفاقية 966 شركة مصرية، منها 35 واحدة تستحوذ على 82% من الصادرات، و931 شركة لها نسبة 18% فقط.
الطموح والجموح
قال فخرى الفقى أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ومساعد مدير صندوق النقد الدولى، في تصريحات صحفية “أن التطبيع الاقتصادى لم يكن على المستوى الذى تطمع فيه إسرائيل منذ اتفاقية السلام بكامب ديفيد، ويمكن تلخيص شكل العلاقات الاقتصادية بين البلدين بحجم التبادل التجارى، فمثلا فى 2015 نجد أن الصادرات الإسرائيلية تقدر بـ55 مليار دولار تستورد مصر منها بما يقرب من 113 مليون دولار فقط وحجم صادراتنا لإسرائيل يمثل نصف وارداتنا منها والسبب فى هذا الخلل التجارى لصالح إسرائيل هو اتفاقية الكويز والتى تشترط دخول المنتجات المصرية للسوق الأمريكية مقابل وجود مكون إسرائيلى بالمنتج المصرى بنسب 10,5% وهذا ما دفع بميزان التبادل التجارى لصالح إسرائيل وهذه الواردات تتمثل فى بعض المنتجات الزراعية وبعض المنتجات العذائية المصنعة وهى لا تشكل إلا أقل من 1.% «واحد من عشرة فى المئة» من إجمالى تجارة مصر مع البلدان الخارجية وبالنسبة للاستثمارات فإن إجمالى استثمارات إسرائيل بمصر لم يتعد 112 مليون دولار وهى كلها تتمثل فى استثمارات زراعية وبعض الصناعات النسيجية والتى لا يتجاوز المكون الإسرايئلى بها الأزرار، وذلك لتسهيل دخولها للأسواق الأمريكية.
وألمح فخرى إلى أنه أيضا بالنسبة لملف الغاز الطبيعى والذى كانت تقوم مصر فيه بالتصدير لإسرائيل نتيجة اتفاقية عقدت بين البلدين عام 2005 ولمدة عشر سنوات، حيث كنا نصدر ما يقرب من 1,7 مليار قدم مكعب غاز مقابل عائدات تقدر بـ1,5 مليار دولار، ولقد انتهت هذه الاتفاقية إلى أن إسرائيل أصبحت دولة مصدرة للغاز”
ووقعت إسرائيل ومصر مؤخًا صفقة “عملاقة” تزود بموجبها إسرائيل 64 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لمصر في صفقة وصفها وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينيتص بأنها “ستجعل إسرائيل لاعبا في مرافق الطاقة الإقليمية،” وفقا لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية.
وذكر تقرير الهيئة أن هذه الصفقة تمتد لعشر سنوات وتبلغ قيمتها 15 مليار دولار، لافتا إلى أنها تعتبر أكبر صفقة بين البلدين منذ توقيع معاهدة السلام.
ولفت تقرير الهيئة الإسرائيلية إلى “توقيع اتفاقين في إطار هذه الصفقة بين شركة ديليك الإسرائيلية، مالكة منشآتي الغاز ليفياتان وتامار وشركة دولفينيوس المصرية في القاهرة،” ملقية الضوء على أن “هذه الصفقة إلى موافقة السلطات في كلا البلدين لتدخل حيز التنفيذ.”
من جهته علق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مؤكدا أن الصفقة “ستدر المليارات على خزينة الدولة وان هذه الأموال ستخصص للتعليم والصحة والرفاه،” مشددا على أنها “ستعزز علاقات إسرائيل في المنطقة،” وفقا لما نقله تقرير هيئة البث الإسرائيلية.
واستفادت بورصة تل أبيب يعد إعلان صفقة بيع الغاز لمصر مباشرة، فحققت في 19 فبراير 19% زيادة عقب الإعلان عن الاتفاقية، بحسب ما نقلته وكالة «بلومبرج» الأمريكية،
كما أن هذه الصفقة تعد انتهاءً لعصر المقاطعة الاقتصادية عربيًا لدولة الاحتلال الاسرائيلي وضمنت إسرائيل مشتريًا لغازها لمدة 10 سنوات، وهو ما ستسفيد منه مستقبلًا في التعليم كما زعم رئيس وزراءها بنيامين نتنياهو.
كانت الحكومة المصرية قد أعلنت أكثر من مرة أن مصر ستتحول إلى مركز إقليمي لإسالة الغاز الطبيعي في المنطقة تمهيدًا لتصديره إلى أوروبا.