أخي الملحد: لا تحتفل بعيد الأم وتبرع لشراء

مصدر الصورة: مصر العربية


"أيها المراؤون .. توقفوا عن الدفاع عن الله بقتل الإنسان، ودافعوا عن الإنسان كي يتمكن من التعرف إلى الله".. جبران خليل جبران.

إذا لم يكن هناك قبول واسع لدى العوام لكل هذا الهراء الحادث باسم الدين في شرق الأرض وغربها، لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، فبدعوى الدفاع عن الدين (أي دين) تُرتكب الحماقات ويضطهد الناس وتقطع الرقاب، وباسم الدين يجمع بعض المشايخ والقساوسة والرهبان الثروات، وقد يصبح كل غير معقول هو المنطق وخلافه كفر وهرطقة.

***
باسم الدين كانت الكنيسة الحاكم الحقيقي لمعظم دول أوروبا، وقامت حربًا استمرت ثلاثين عامًا بين الكاثوليك والبروتستانت خلال القرن الـ17 في ألمانيا، انتهت بمجاعات وتدمير شامل، وأُبيد نحو 40% من شعوب أوروبا البروتستانتيين وما يقرب من نصف سكان ألمانيا.


كل ما يحدث في هذه البلاد باسم الدين ليس إلا هراء نرتكبه جميعًا.


باسم الدين أُنشأت محاكم التفتيش الإسبانية (1478-1834) بدعوى مواجهة الهرطقة (بِدْعة في الدِّين) وتعزيز قوة النظام الملكي المُوحد في المملكة الإسبانية، وقامت الكثير من المجازر ضد اليهود الإسبان في ذلك الوقت وأجبروا على اعتناق المسيحية أو الموت،  ولم يسلم من يعلن اعتناقة للمسيحية حينها  من العذاب وطورد في كل مكان.

باسم الدين أُجبر مسلمي منطقتي "فالينسيا وأراغون" على تحويل ملتهم إلى المسيحية وترك الإسلام 1526.

باسم الدين قُطع رأس الحسين وسالت دماء رفاقه في كربلاء، وقاد السفاح الحجاج بن يوسف الثقفي جيوش المسلمين وصَلب ابن الزبير وقَتَلَه بعد أن أقام مجازر لآلاف المسلمين.

وباسم الدين اشتعلت الثورة العباسية ضد الأمويين وتخطت أعداد الضحايا 600 ألف وفي رواية "مليون".

باسم الدين قتل الجيش العثماني مليونًا من الأرمن، وقامت مذابح سيفو ومذابح ديار بكر ضد المسيحيين.

باسم الدين تقتل داعش مسيحيين في مصر وسوريا والعراق وغيرها، ويُقتل جنود ومدنيين وتفجر مستشفيات وتقوم حروب كاملة بين سنة وشيعة، وشيعة وشيعة، وسنة وسنة، كاثوليك وبروتستانت، يهود وغير يهود.

باسم الدين أطلق اليهود على أنفسهم "شعب الله المختار" واحتلوا فلسطين واستباحوا دماء شعبها وقتلوا رجالها ونساءها وأطفالها وطرود شعب فلسطين من بيوته من دون وجه حق.

باسم الدين كان التصويت لصالح التعديلات الدستورية واجب شرعي، ومن يدعو للتصويت ب "لا" كاره للدين، وباسم الدين ترك أحدهم العظة وأفتى فيما لا يفقه فيه "وقالت الصناديق للدين.. نعم".

باسم الدين أرسل لي أحدهم رسالة جاء فيها "استيقظوا يا أمة محمد وقوموا جميعًا لنتصدى للعنة هولندا، وندمرها اقتصاديا، إنا لله وإنا إليه راجعون، نزل الفيلم الهولندي الإباحي الذي يسخر من حبيبنا محمد، وقد هددت هولندا نائب مسلم بأنه لو قاطع المسلمون منتجاتهم سيبثوا الفيلم في كل القنوات. إذا لم ترسل هذه الرسالة لـ20 شخص كي تدافع عن دينك فلا تنتظر من الله أن يستر عليك وعلى أهلك". والحقيقة أن خلافات سياسية حدثت بين الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وهولندا، فقرر أنصار أردوغان محاربة هولندا بطريقة ساذجة تافهة مخلوطة بتجارة الدين، ولو بحثنا في هذا الموضوع على محرك البحث "google" لوجدناه قد نشر بنفس الصياغة في أعوام 2010، 2011، 2014، 2017.

أكاد أجزم أن لو رجلًا طلق امرأته ولا يريد أن يعطها حقوقها، لبرر موقفه أمام المحاكم وادعى أن زوجته كفرت بالله وسبت الرسول فتنتهي القضية لصالحه ويتحول الرأي العام ضدها. لم لا وهناك رقاب تطير بعد أن يقول السياف "بسم الله الرحمن الرحيم".

***
لماذا يحدث كل هذا الهراء باسم الدين؟

يمكن للدماء التي أغرقت الأرض أن تجعل الشيوخ والرهبان ينتفضوا على منابرهم ضد الدم، لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا؛ إلا من رحم ربي.
الشيوخ والقساوسة مهمتهم باتت واضحة، حماية الأنظمة القمعية، كما حدث في العصور القديمة والوسطى والحديثة.

"اثنان في أوطاننا يرتعدان خيفة من صحوة النائم.. اللص والحاكم". أحمد مطر.

ولا نوم للناس إلا برجال الدين، (أي دين) وكلٌ يدافع عمن يحب بعد أن يمزج كلامه بأحاديث الدين، هذا يدافع عن حاكم ويقول أنه نبي، وذاك يدافع عن معارض ويطلق عليه المسيح، تعددت الأسباب والنوم واحد.

عندما هُجّر المسيحيين من سيناء، على أيدي جماعات ترتكب الجرائم باسم الدين، انتظرت طويلًا خطبة جمعة واحدة عما حدث لهم، ويبدو أنني سأنتظر أكثر مما انتظرت.

فخطبة كانت كلها عن حرمة "عيد الأم" وأن الهدايا في هذا اليوم بالذات تُعد "بدعة" اخترعها الكفار، وقال الخطيب الذي عُين من وزارة الأوقاف "احذروا عذاب الله وابتعدوا عن هذه البدع الغربية، عيد الأم حرام، وإعطاء الأمهات هدايا في هذا اليوم تحديدًا حرام، تجنبوا فعل المعاصي التي لا تدركون مخاطرها كي لا تندمون يوم لا ينفع الندم". (هل تصدقون حقًا أن الله سيعذبنا لأننا احتفلنا بأمهاتنا؟!).

الهراء بعينه أن تنتهي الخطبة بالدعاء للحكومة في أن يوفقها الله على تحمل كل هذه التحديات الاقتصادية التي يتسبب فيها الكفار.. فهل حذركم الله من الاحتفال بعيد الأم، ولم يحذركم من نفاق الحكام؟!

***
لو أن هذا لم يحدث أمام عيني لظننت أنها مسرحية، بل إن المسرحية مهما كانت ساخرة أو خيالية ستظل أكثر واقعية من هذا المشهد.

يتحدث الشيخ "الشايخ" في الخطبة التالية مع الملحدين ويحاول إثبات وجود الله، ويكاد يبكي وهو يتحدث مع الملحد (الذي يصلي الجمعة) يبدو المشهد أكثر عبثية عندما يقرر البعض أن يهز رأسه موافقًا أو متعظًا من رسالة خطيب الجمعة للملحدين؛ وفي الجزء الثاني من الخطبة وجه الشيخ رسالته للملحدين وحثّهم على التبرع "تبرعوا لشراء تكييف" لأن الصيف على الأبواب.

بالمناسبة  لِمَ علينا أن نتبرع لشراء جهاز تكييف في مسجد أو كنيسة لمجرد أنه مسجد أو كنيسة؟! بينما هناك من ينامون في الشوارع. ولم علينا أن نبني كل يوم مسجد وكل يوم كنيسة ولا نلتفت لهؤلاء اللاجئين في كل البلاد ممن لا يجدوا ملجئًا لهم سوى مخيمات من القماش؛ وممن طردوا لحروب سياسية وبعضها دينية؟!
 لماذا مشاعرنا مرهفة جدًا تجاه دور العبادة ولا نشعر بالمشردين؟ أليس هذا عبث؟ّ!


بدعوى الدفاع عن الدين (أي دين) تُرتكب الحماقات ويضطهد الناس وتقطع الرقاب.


لم علينا أن نثق في رجل ما لمجرد أنه عامل في مسجد ويجمع التبرعات؟ أليس الفساد منتشر في كثير من الناس (المتدينين وغيرهم)؟ ألم تسمعوا عن رجال دين "نصابين" وعن صكوك غفران باسم الدين؟!

لماذا نثق في الحكام فقط عندما يرتدون رداء الدين حتى لو كانت أفعالهم لا تدل على نعراتهم الدينية؟

الثقة العمياء في كل شئ له علاقة بالدين ليست إلا جاهلية حديثة، وعلينا أن نراجع أنفسنا في هذه المسألة جيدًا حتى نتحرك خطوة واحدة للأمام.

وكل ما يحدث في هذه البلاد باسم الدين ليس إلا هراء نرتكبه جميعًا؛ أليس كذلك؟!

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة