مرحبًا بكم في مطعمنا، لدينا بُرجر ديمقراطي رائع، وقهوة مضبوطة
بالديمقراطية، ولا نقدم سواهما، وللأسف لن تستطيعوا الخروج من المطعم إلا بعد طلب
البرجر والقهوة، لأننا كما تعلمون نُطبق الديمقراطية، لكن إذا أردتم مغادرة المطعم
دون أن تطلبوا بُرجر وقهوة، فلكم حرية المغادرة؛ بعد أن تدفعوا ثمن الطلب الذي لم
تطلبوه، وشكرًا لالتزامكم بقوانين مطعمنا الفاخر الديمقراطي.
هذه رسالة يسمعها كل زَبائِنُ المطاعم الديمقراطية العسكرية في وسط
العاصمة، قد تبدو لك رسالة مُرعبة، لكن يا بني لا تخف، كل ما في الأمر أنك لم تعش
ديمقراطية كديمقراطتينا، تلك الديمقراطية العظيمة التي اخترعها الزعيم؛ سيأكل
زبائن المطعم بُرجر بلحوم القطط، وتشرب قهوة ممزوجة بالذرة والشعير والقمح وفول
الصويا والأرز والسكر البني وشراب النشا؛ ولكنها حتمًا ستدفع ثمن الفاتورة مهما
حدث، ولو كانت الفاتورة مرتفعة إلى حد السماء، ولو اكتشفوا أن هناك سعر للخدمة يصل
إلى 20% من قيمة الفاتورة، و20 % ضريبة القيمة المضافة، و20 أخرى للقيمة غير
المضافة، و20 لاحترام القيمة، و20 لقلة القيمة، وبقشيش إجباري، وبقشيش اختياري
اجباري ديمقراطي، و90 % لصندوق يصب في مصلحة الوطن، وآخر في مصلحة المواطن، وآخر
في مصلحة الرئيس. ولو كان في عائلتك رجل واحد فليتفضل يعرفنا بنفسه، في السجن متسع
له، هذا إن نجاه الله من قطع لسانه أذنه، أو أشياء لا داعي لذكرها، وكلها بالطبع
لو قطعت فهي قضاء وقدر، وهل يقدر أحدهم أن يكفر بالله ويعترض على قضائه؟!
وفي ليلة سمعت جدّي يتحدث مع
"النقاش" بشكل ديمقراطي:
النقاش:
يا حاج سعيد، إذا دهنت هذا الحائط بمعجون الديمقراطية، سيصبح شكله رديء، ألا ترى
هذا اللون الأحمر الذي نشع على الحائط، هذه ديكتاتورية قديمة، لو وضعنا
"وش" الديمقراطية على هذا الحائط سيضحك عليك الناس، والكلاب والخيل
والحمير، والطيور، والنبات والجماد، والعالم أجمع.
جدّي: لا
تجادلني وإلا اتهمتك بالخيانة، وأريدك أن تعلم أن هذا الحائط أسفله أيضًا دموية،
وكل سنتيمتر منه ممزوج بالقمع الأسمنتي، ولكن مهما حدث ومهما قلت ومهما حاولت،
سأدهنها دهان ديموقراطي، ولا تحدثني في الموضوع مرة أخرى، ادهن وأنت صامت وإلا
دهنت وجهك القبيح، أو استعنت بقوات الشرطة الداعمة للديمقراطية. والحقيقة أن جدي
استعان بغفر يعملون لديه ويقومون على حمايته نظرًا لأنه عمدة البلد، وأجبروا
النقاش بشكل ديمقراطي على الاستجابة لأوامر جدي، وانتهى الحال بأن صار البيت شكله
قبيح، مضحك، متسخ، الجميع ينظرون إليه ويضحكون، ولكن جدّي لا يبالي لما يقوله
الجميع، ويصر على أن ما فعله في حائط المنزل هو أفضل دهان للديمقراطية في العالم،
وأنه صناعة محلية، رغم شراءه من أمريكا.
كل شيء في هذا
الوطن بات ديموقراطي؛ في شارعنا مطعم فول بالديمقراطية، وبجوار عملي سوق للملابس
المستعملة الديمقراطية، ستشعر بالديمقراطية في كل شيء قُدر له الوجود بهذا الوطن،
ستشعر بها على قفاك في قسم الشرطة، ستجدها عندما تضطر لدفع الرشاوي، في فواتير
الكهرباء المرتفعة، في أتوبيسات النقل العام المتكدسة، في مترو الأنفاق الذي تحول
إلى خلاط بشري متحرك، في مؤخرتك عندما تذهب إلى صناديق الاقتراع؛ بالمناسبة، لدينا
انتخابات ديمقراطية، تخيل؟! هناك نحو 19 تريليون مواطن شارك في الانتخابات
الديمقراطية العسكرية الراقصة، وحصد الرئيس 154 تريليون صوت، أي نعم تنافس الرئيس
مع نفسه، أي نعم أُجبر الغلابة على التصويت أو الفصل من العمل، أي نعم دفعوا
الرشاوي للفقراء كي يحتشدوا أمام صناديق الاقتراع، ولكن كل هذا من أجل الوطن، ومن
أجل تطبيق الديمقراطية، إننا نخترع ديمقراطية لم تطبق في أي مكان في العالم.
ديمقراطيتنا،
صمت، قمع، خوف، قتل، سفك، فقر، جوع، جهل، كوارث، تضليل، تطبيل، تخوين، تكفير،
ديمقراطتينا تُباع على أرصفة الجيش، وفي طرقات الجيش، وفي شركات الجيش، من أراد
ديمقراطية فلدينا هنا فائض.
الشعب الآن ينتظر الرئيس، ليعلن قرارات ديمقراطية جديدة تصب في مصلحة المواطن، ليرفع الدعم ويرفع المواطن، ليبني سجونًا جديدة وقصورًا أجدد، ليحاصر الصحافة ويحاصر مدينته الجديدة، ليحارب حقوق الإنسان ويحارب فلسطين، ليعدّل الرئيس من أجل أن يبقى في الحكم ولو لم يبق مواطن واحد في الوطن، ليعلن للجميع أنه أخيرًا "اكتمل العُرس الديمقراطي".