السجن بديلًا للمدرسة.. عن إسراء وروضة



انطلقت مظاهرة حاشدة لجماعة الإخوان المسلمين في ميدان سرور ببورسعيد؛ وهي منطقة معروفة بكثافة الدروس الخصوصية للطلبة والطالبات، وخاصة لطلبة الثانوية العامة والأزهرية.
وهناك؛ حدثت مطاردة أمنية لطالبات تصادف وجودهن في محيط المظاهرة، شاهدها الأهالي كأنهم يشاهدون فيلمًا مرعبًا، فاكتفوا بالخوف، وقالوا سرًا "حسبي الله ونعم الوكيل"، ومنهم من قال علانية: "أحسن؛ دعهم يتعلمون الأدب".
كانت هناك مطاردة بين كل شيء قبيح وعكسه.
العصا يطارد القلم والكراسات والكتب.
الجهل يطارد العلم.
الظلام يطارد النور ويريد أن يكون بديلًا أبديًا له.
الذئاب تطارد عصافير تحاول التحليق في السماء.
البلطجية يطاردون بنات مصرية!
أشكال المُطارِدين كانت غريبة؛ يحملون عصيهم؛ وسكاكينهم؛ وأسلحتهم البيضاء؛ وهم إما تابعين للشرطة، أو بلطجية ممن يطلق عليهم إعلاميًا "مواطنين شرفاء" كانوا يطاردون ثلاث عشرة فتاة من بنات محافظة دمياط.
كانت بعض المُطارَدات تحملن الأقلام وكتب المرحلة الثانوية العامة وملازم الدروس الخصوصية التي باتت بديلًا للتعليم الحكومي المصري الحاصل على المركز الـ 139 عالميًا بين 140 دولة، حيث كانت المطاردة في منطقة الدروس الخصوصية (ميدان سرور)؛ وحتى نقول الحق منهن من شاركن في المظاهرات، والمشاركة في المظاهرات حق للجميع حتى لو اختلفنا مع مطالب المظاهرة، أو مع أفكار المتظاهرين، التظاهر ليس جريمة ولكن الجريمة الأكبر (تجريم التظاهر).
استمرت المطاردة، من شارع الشرباصي حتى شارع التجاري ببورسعيد، أي نحو ثلاثة دقائق، وخمسمائة متر تقريبًا؛ وفي شارع التجاري وقعت ثلاث عشرة فتاة في أيدي "المحتلين الجدد" أو المخبرين التابعين للشرطة، وهؤلاء لا يخشون في الباطل لومة لائم؛ إلا إذا كان اللائم ضابطًا في جهاز الأمن الوطني.
ساقوهن بالعصي أمام الجميع، والجميع قد اكتفى بالمشاهدة، والمشاهدة ليست ممتعة بقدر ما هي مرعبة، كل من اكتفى بالمشاهدة ظن في داخله أنه لو دافع عن البنات سيصير مُطاردًا مثلهن، إنها الأزمة الكبرى منذ قديم الأزل يا بنات دمياط؛ دعونا نشاهد في صمت حتى لا يصيبنا أذى؛ دعونا نأكل خبزًا حتى لو كان فاسدًا.
قالت لي أم إحداهن أنها "لم تكن تعلم بأن ذهاب ابنتها إلى درس خصوصي سيجعلها تسمع اتهامات بالعهر، بدلًا من أن تسمع كلمات تُعلمها شيئًا يخدم الوطن".
وقالت أيضًا: "حدث كل هذا أمام الأهالي وأصحاب المحال التجارية، ولا أدري كيف لم يتدخل أحدهم وينقذ ابنتي؟ لو كانوا اعتبروها ابنتهم لتحركوا".
***
من ضمن البنات اللواتي وقعن في أيدي المُحتلون الجدد ثلاث طالبات في الثانوية العامة، لم تتخطَ أعمارهن ثمانية عشر عامًا وهن: (هبة أسامة أبو عيسى؛ وروضة سمير خاطر؛ وإسراء فرحات)، اختطفن في سيارة ملاكي واقتادهم المخبرون إلى قسم ثان دمياط وهناك لم يشفع للبنات أنهن بنات، فقديمًا كنت أظن أن التشريفة (استقبال السجناء بالضرب لكسرهم) للرجال فقط، ولكن البنات أيضًا قد ضُربت كما يضرب الرجال.
وفي شهادة أهاليهن التي حصلت عليها مكتوبة بخط اليد: (باتت البنات واقفات ووجوهن للحائط حتى الصباح وفي نفس اليوم أنكرت الشرطة وجودهن داخل القسم).
حدث ذلك يوم الثلاثاء 5 مايو 2015، في السابعة ونصف مساءً.
وبعدها رحلت قوات قسم شرطة ثان دمياط البنات الثلاثة عشر، إلى معسكر قوات الأمن بدمياط الجديدة، وهو معسكر قوات أمن مركزي، ويعد من أماكن الاحتجاز غير القانونية، وغير المخصصة للحبس، ولكن في ظل غياب القانون والعدالة "كل شيء متاح" تم إخفائهن في المعسكر، وأنكر ضباط المعسكر للمحاميين والأهالي وجودهن بالداخل.
وفي اليوم الثاني حضرت النيابة إلى معسكر قوات الأمن، لتكون بذلك مشاركة في الانتهاك الصارخ ضد البنات وتحقق معهن في معسكر خاص بقوات الأمن المركزي في مخالفة صريحة للقانون، ما يعد إهانة لهيبة النيابة نفسها قبل أن يكون انتهاكًا لحقوق السجينات.
تحكي إحدى الأمهات:
(أنه كان يتم التحقيق مع كل بنت ما يقرب من خمس ساعات؛ حتى إن إحداهن قد دخلت في إغماءة من قلة النوم والإجهاد، فجعلوها تستفيق بالماء، لتكمل التحقيق).
جاء في محضر التحقيق أن البنات ارتكبوا جرائم عدة منها:
"الشروع في قتل 22 من الشرطة، وارتكاب أعمال عنف، وحيازة أسلحة نارية، ومحاولة قلب نظام الحكم، والانضمام لجماعة محظورة، والتظاهر دون ترخيص، وتكدير السلم العام".
وهذه المجموعة من الجرائم يطلق عليها السجناء السياسيين كلمة (كوكتيل)، وهي كوكتيل من التهم الجاهزة لكل من يسجن بتهمة سياسية.
رفضت البنات التوقيع على المحضر، ولكن إصرارهن لم يدم، فقد هددهم أحد جحافل الشرطة قائلًا: (هتوقعوا ولا أخرجكم من هنا مدامات؟) فوقّعت البنات، ووَقَعت العدالة على الأرض، ودُهست بالأقدام.
وأمرت النيابة باستمرار حبسهن 15 يومًا على ذمة التحقيق.
ومن الانتهاكات التي ذكرت في الرسالة التي وقعت تحت يدي:
* تم نقل البنات في نفس المعسكر إلى زنازين وعنابر مختلفة لإنهاكن، لكن انتهى بهن المطاف إلى حبسهن بعنبر الرجال لمدة ثلاثة أيام، في معسكر قوات الأمن المركزي بدمياط الجديدة!
* تم ترحيلهن إلى سجن بورسعيد العمومي، إلا ثلاثة منهن قد تم ترحيلهن إلى سجن كفر سعد وهن (هبة أسامة عيسى، ثانوية عامة. أمل مجدي حسانين ثانوي أزهري، وروضة سمير خاطر، ثانوية عامة).
* في خلال تلك القترة التي قضوها في معسكر قوات الأمن لم يتمكن الأهالي من رؤيتهن أو التأكد من وجودهن داخل المعسكر، وعرف الأهالي مكان البنات العشر اللواتي تم ترحيلهن إلى سجن بورسعيد عندما كانت تجري وزارة الداخلية لهن تحليلات طبية في المستشفى، فاتصلت إحداهن عن طريق هاتف خاص بممرضة: "ماما، نحن في مستشفى بورسعيد لإجراء تحليل حمل وسيتم ترحيلنا لسجن بورسعيد العمومي".
أسرعت إحدى الأمهات في البحث عن ابنتها، ولما علمت استخرجت إذن نيابة وتأكدت من وجود ابنتها هناك. في اليوم الثالث عشر من اختطافها أو القبض عليها.
"لم تذكر الرسالة التي وصلتني أي سبب لإجراء تحليل حمل للبنات، وفي اعتقادي أنه جرى هذا التحليل لحبسهن ثلاثة أيام مع رجال".
استمر تجديد الحبس من 5 مايو 2016 إلى 26 ديسمبر 2015، كان يتم نقل البنات كل 15 يومًا في سيارة الترحيلات المميتة من بورسعيد إلى دمياط، فأحيانا كن يجلسن في السيارة نحو 6 ساعات، وبعدها يتم تجديد حبسهم من دون عرض على قاض. حتى أنهن لم يعرضن على القاضي من 26 ديسمبر 2015 حتى 28 يونيه 2016.
حدثت مجريات مختلفة في القضية، وبعيدًا عن تفاصيلها فقد أخلى القاضي سبيل احدى عشر فتاة، إلا طالبتيّ الثانوية العامة (إسراء عبده فرحات؛ روضة سمير خاطر). وهما كانتا في دروس خصوصية، ولكن لسوء حظهن تعرضن للاعتقال العشوائي
لم تتمكن إسراء وروضة من أدر امتحانات الثانوية العامة لعام 2014/ 2015، وفضّلت الدولة أن تقضي الفتاتان هذا العام بين السجن؛ لا بين جدران المدارس.
نهاية الرسالة التي جائتني بخط اليد أنقلها كما هي:
مطلوب مع الشكر دعم القضية قانونيًا وحقوقيًا وإعلاميًا قبل ميعاد جلسة إسراء عبده فرحات، وروضة سمير خاطر 28 سبتمبر 2016.
رقم القضية 4337 جنح أول دمياط وتحولت الجنايات؛ تاريخ الحبس 5 مايو 2015 في السابعة ونصف مساءً.



شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة